على العكس من ظاهر الأمور فقد يكون اقرار المحكمة الدولية مباشرة من مجلس الأمن هو الحلّ الذي يجنب اللبنانيين صداما أهليا، ولسبب بسيط؛ فهو يعفي الفرقاء من أخذ مواقف ويجعل الصراع حول المحكمة الدولية وراء ظهورهم.
حزب الله لا يستطيع ان يتخلّى عن حلفائه السوريين بالموافقة على المحكمة ذات الطابع الدولي، ولذك ظلّ يصرّ أولا على حكومة وحدة وطنية يملك مع حلفائه ثلثها المعطّل قبل مناقشة تحفظاته أو حتى الإفصاح عنها حول نظام المحكمة. في المقابل لا يمكن لقادة الأكثرية قبول اي ترتيب يعرّض قيام المحكمة الدولية للتعطيل؛ فلا احد يدري ما هي تحفظات حزب الله ومطالبه بصدد المحكمة بعد ان يملك القرار، والرئيس السنيورة صرّح مؤخرا أن عدد الحقائب في حكومة الوحدة لن يكون مشكلة أبدا اذا جرى أولا إقرار المحكمة الدولية.
بعد وصول الجهود إلى طريق مسدود وإصرار الرئيس نبيه برّي على إبقاء البرلمان مغلقا للحيلولة دون إقرار المحكمة قررت الحكومة اللبنانية أن تبلغ مجلس الأمن عجزها عن السير بمشروع المحكمة عبر القنوات الدستورية وتركت لمجلس الأمن اقرارها مباشرة لتصبح نافذة وملزمة. وقد اثار ذلك حفيظة المعارضة وصدرت تصريحات غاضبة تهدد أو تحذر من حرب أهلية، وبدأت تحليلات متشائمة تتوقع وجود حكومتين في لبنان والانزلاق نحو صراع أهلي. مع ذلك يمكن الافتراض أن ردود الفعل هذه هي استحقاق على مسمع الأشقاء السوريين من دون استعداد حقيقي لزجّ البلاد في أتون حرب اهلية، فالمحكمة الدولية في الحقيقة لا تهدد الأطراف اللبنانية وستمتد لسنين وقد تصل او لا تصل الى الجناة؛ فعلامَ تدمير لبنان؟!
أجواء من الركود والترقب سادت وقطعها اكتشاف جثتي الصبيين المخطوفين (الشاب زيد غندور والفتى زياد قبلان)، فصعد التوتر الى مستويات خطرة، لكن وليد جنبلاط  بادر بالطلب من انصاره الهدوء، وقام بجولات تهدئة مؤكدا ان الدولة وحدها فقط مسؤولة عن حماية المواطنين وتحقيق العدالة، ما ساهم في وأد الفتنة، وقبول ذوي المغدورين زيارة التعزية من قادة حزب الله، بل وتلاقى وفدا المعارضة والأكثرية في بيت العزاء وتبادلا تصريحات الإدانة للجريمة والدعوة لوأد الفتنة خصوصا وأنّ التحقيق اقترب من الجناة الذين ربما مارسوا ثأرا غير موجه سياسيا، وسادت اجواء ايجابية، واستمر جنبلاط الذي عرف بتصريحاته الحادّة في إطلاق تصريحات هادئة تطلب تمكين لبنان من استقبال الصيف السياحي دون هزّات سياسية أو أمنية.
المحطّة الهامّة القادمة هي تقديم المستشار القانوني للأمم المتحدة نيكولا ميشال تقريره بعد زيارته لبيروت، ليقرر مجلس الأمن في موضوع إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع، مع العلم أنها لن تقرّ تحت البند المتعلق بحق استخدام القوّة المسلحة وفق تطمينات المستشار. وفي الأثتاء فإن المبعوث الروسي سلطانوف ابلغ الأطراف اللبنانية كما ابلغ سورية ان روسيا ستوافق على اقرار المحكمة في مجلس الأمن.
في حال أصبحت المحكمة الدولية امرا واقعاً ستتحرر الأطراف اللبنانية من هذه الجمرة الملتهبة في حضنها وتفتح الطريق الى تفاهمات موضوعها بالفعل تقاسم السلطة ومتابعة الحوار حول بقية الملفات في أجواء أكثر استرخاء. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري