لفتت انتباهي كلمة قالها احد الممثلين المصريين وهو يخاطب بطل المسلسل لحظة احتضاره «مش حتاخد منها حاجة غير متر بمترين» الرجل طبعاً يقصد وبلغة بسيطة وبمنتهى العمق انا الواحد منّا يشقى في الدنيا ولا يأخذ منها الا مساحة قبره
|
ترى لو ترسخت عندنا مثل هذه القناعة القبرية وتعممت بالفعل هل يمكن بعد ذلك انا نرى فاسداً يأكل حقوق الناس، أو هل يمكن ان نرى لصاً ينهب جيوب الناس ويمتلك كل هذه الشراهة في الاستيلاء على اموال الغير؟ لا بل هل يمكن لنا ونحن نرى انفسنا اقرب من حبل الوريد الى مثل تلك المساحة التي تظل فاغرة فمها الترابي بانتظار جثثنا العمياء كي تسقط فيها. لا بل هل يمكن للضغائن ان تتفشى بيننا الى هذا الحد حين نتذكر تلك المساحة، وأن نظل ننسج المخططات ليل نهار للايقاع بالآخر والانتصار عليه،وهل يمكن للديكتاتور الذي يصدر مئات الشهداء يومياً الى تلك الحفرة ان يستمر بفعل ذلك لو تذكر مثل هذه الحكمة البسيطة | |
ان الغباء اليومي الذي يعيشه الانسان عموماً يصورله انه سوف يتخلد هو وهواجسه ورغباته العرجاء متناسياً ان الايام واللحظات والسنوات التي يقضمها الزمن سوف تقوده في النهاية تالى الوقوع في براثن المرض والانقياد لاحقاً للتحديق بتلك الحفرة.
لكن الانسان وهو ينعم بنعمة النسيان والأصح هو ان نقول لعنة النسيان يمضي مسرنماً برغباته وعدوانيته الطافحة محاولاً ان يهرس ويمحق كل من يعترض طريقه، فمن يدخل الى اي محكمة ويرى كل هذا الاكتظاظ في التشاجر والقضايا والحركة الدؤوبة للمحامين والشهود لا بد وان يلمس هذا السُمك الذي يغلف نظرتنا للحياة.
ان كل مكان في المدينة يضج بالحركة والعدوانية احيانا الى الدرجة التي تشعر فيها ان الكل يتربص بك وتوعدك، لكن هناك في طرف المدينة في المقبرة تحديداً سوف تشهد سكوناً مُصمتاً قد يقودك الى التفكر ملياً بالجملة التي قالها الرجل وهي انك لن تأخذ من الدنيا الا مساحة قبرك.
وتلك هي الحكمة التي يعرفها الجميع لكنهم على الأغلب يتناسونها |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|