عودة الحياة السياسية الشرعية عام 89 وضعت جميع القوى تحت سقف الدستور، ولم يعد هناك فكر انقلابي يريد تغيير النظام نفسه، وقد وافق الجميع على العمل السلمي تحت مظلّة النظام السياسي، وكرّس الميثاق الوطني عام 91 هذه الحقيقة بمشاركة جميع القوى السياسية المعروفة.
اعتقد ان التطورات منذ ذلك التاريخ وحتّى الآن لم تؤكّد القناعة بهذا الخطّ فحسب بل، وبلورت قناعة بأن الأردن كان محظوظا اذ نجا من ظاهرة الانقلابات العسكرية التي عصفت بدول ومجتمعات عربية أخرى.
ان المرء لا يستطيع منع نفسه من التساؤل: ماذا لو لم ينجح انقلاب 58 وبقيت الملكية الدستورية في العراق؟ ماذا لو ان العراق نعم بالاستقرار والحكم الدستوري الرشيد مع كل هذه الثروة البترولية التي حاز عليها؟ وماذا لو نجت الجمهورية السورية الدستورية من مسلسل الانقلابات العسكرية؟ بل ماذا لو بقيت الملكية الدستورية في مصر؟ ومهما كانت مكانة الحقبة الناصرية في ذاكرتنا الشعبية القومية فقد انتهينا الى وضع يفرض التساؤل!
الحكمة – ولو بأثر رجعي- تقول: إن استقرار نظام دستوري في اي بلد من دون انقطاعات وانقلابات هو افضل الف مرّة لتقدم المجتمع وتطوره وازدهاره، فتنقل الشرعية بمقتضى القوّة القاهرة وتحت اي شعارات جذرية يؤدّي الى انهيار فكرة المشروعية في وعي الجمهور وأسس العقد الاجتماعي ويعيد المجتمعات الى الخلف. ان ثقافة المجتمع المصري تلقت ضربات قاصمة في ظلّ الحكم العسكري. ومن يدري ما هي وكيف هي مصر الآن لو حلّ الإصلاح الديمقراطي منذ البداية محل الانقلاب العسكري؟!
نعود الى مناسبة هذا الحديث وهو عيد الاستقلال والندوة التي عقدت بمبادرة من مركز الرأي للدراسات والجمعية الأردنية للعلوم السياسية تحت عنوان "86 عاما على الدولة الأردنية"، فقد تمثل زخم المشاركة بوجود 4 رؤساء وزراء سابقين كمتحدثين في الجلسة الأولى اضافة الى كلمة رئيس الوزراء الافتتاحية، وكما هو متوقع فإن معظم الكلام احتوى على مضامين قريبة مما ذكرناه آنفا، لكن ملاحظتي ان الأشياء نفسها يمكن دائما ان تقال بطريقة افضل أو للدقة بطريقة أكثر اقناعا، فمقاربة معمقة لدروس التاريخ تختلف عن لغة المناكفة من خندق معين. وكنت أتمنى لو كان هنالك تنسيق وتوزيع أدوار بين المتحدثين لتحقيق فائدة قصوى مع حضور بهذا المستوى لإلقاء اضواء كاشفة على هذا البعد أو ذاك في تاريخ الدولة الأردنية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري