يقترب الوضع على الجبهة الشمالية من الحرب، وتتسرب من مختبرات العصف الفكري الإسرائيلي مقولات ومواعيد لمواجهة محتملة مع السوريين، ثم سرعان ما تنقلب التسريبات الى النقيض. والوقت الآن لمشروع  فتح مفاوضات مع سورية على ذمّة معاريف التي تقول ان اسرائيل تلقت اخيرا الضوء الأخضر الأميركي.
الفرضية هي ان هذا التوجه يخدم استراتيجية سحب سورية بعيدا عن ايران وهو ما تحتاجه الولايات المتحدّة الان. وكان التباين الأميركي الإسرائيلي تجاه سورية واضحا طوال الفترة الماضية؛ ففي ذروة ضيقه وعزلته وتشديد الخناق عليه ظلت اسرائيل تعارض اطاحة النظام في سورية، فليس هنالك اي بديل مضمون وضامن للهدوء والسيطرة على جبهة الجولان، كما هو عليه الحال الآن.
تزحزح الإدارة الأميركية عن الموقف القديم بدأ مع تفاقم المأزق في العراق وتصاعد المواجهة مع ايران وظهور تقرير بيكر هاملتون الذي يدعو الى حوار مع سورية وايران حول العراق. واذا كان الموضوع النووي يفرض حذرا اشدّ مع طهران، فلم يكن واقعيا ابداء نفس التشدد مع دمشق، وقد رأينا في مؤتمرات دول الجوار العراقي انفتاحا اميركيا افضل تجاه سورية توج بلقاء مع المعلم على هامش قمّة شرم الشيخ، لم يحدث مثله مع لاريجاني الذي جاور كونداليزا رايس على العشاء فقط، ثم انسحب لسبب اجتماعي كما قيل. واحتفت دمشق كثيرا بزيارة بيلوسي الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب الأميركي وأبدت نشوة واضحة للانفتاح المحتمل لدرجة اثارت ضيق طهران.
والآن تأتي التسريبات عن ضوء أخضر أميركي لتوجه أولمرت لفتح المفاوضات مع سورية، ولا نعتقد ان اسرائيل لديها افكاراً جديدة وجادّة حول الانسحاب من الجولان، فالخطوة بذاتها هي الهدف ليس أكثر، فهي هدف لتعميق التحول السياسي وخلق جو من القبول للنظام السوري بعد فكّ أو تخفيف ارتباطه بإيران، وهي هدف للهروب بعيدا عن استحقاقات الجبهة الفلسطينية وإبقاء المأزق الفلسطيني يتفاعل ووضع السلطة يتآكل وتقديم اجابة التفافية عن المبادرة العربية تخلط الأوراق وتربك الأطراف.
مبادرة "التطلع شمالا" تعني فقط اعادة وضع المسار السوري على خط التنافس مع الفلسطيني وليس التوصل الى مفاوضات حقيقية ناهيك عن مباشرتها من النقطة التي انتهت عندها، أي عند "وديعة رابين"، وفق الموقف السوري القديم الذي لم يعد قائما على كل حال.
قد يكفي اطلاق اشارات وجسّ نبض من وسطاء وتطوع "رجال أعمال" للقاءات استطلاعية حتى يتحقق الانشغال الضروري لبضعة أشهر يتخللها حسم الموقف على أكثر من جبهة وأولها مصير أولمرت والحكومة والانتخابات، ثم يكون لكل حادث حديث.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري