إن دور الجامعات لا يتوقف عند التعليم والبحث، بل يتجاوز ذلك الى توليد القيم وحمايتها وفي مقدمة ذلك قيم الدولة والمجتمع معا
ليست الحكومات ولا الإدارة العامة اكثر حاجة للترشيق من الجامعات، قد يبدو أن ذلك يقصد الكوادر الادارية المتضخمة او الترشيق من المهام والاعباء التي تُلقى على كاهل معظم الجامعات وهي ليست من مسؤوليتها، بل وقبل ذلك والى جانبه فالحاجة الاساسية اليوم هي لترشيق الجامعات من حمولتها الزائدة من طلبة وتخصصات لكي تصبح جامعات اكثر رشاقة وحيوية وقدرة على الحركة والانتاجية وقيادة التغيير الثقافي والاجتماعي.
هذا يجعل النقاش في سياسات القبول الجامعي مسألة تتعلق بمستقبل اصلاح التعليم العالي والتنمية في البلاد على اعتبار أن هذه المسألة التي عادة ما تعالج كل عام من زاوتين واحدة سياسية واخرى اجتماعية سياسية كل منهما يسعى لتحقيق اكبر قاعدة من الرضى العام على حساب مستقبل مؤسسات التعليم التي تتضخم فوق طاقتها وتزداد صعوبة حل مشاكلها واصلاحها، وعلى حساب مستقبل التنمية حيث تعمل السياسات الحالية على تكريس الفجوة العنيدة في الموارد البشرية، ونحن نتحدث هنا عن المنطقة الصلبة من هذه الموارد التي يمكن ان يغطيها خريجو الثانوية العامة بالاحتراف والمهنية.
التعليم حق للجميع ويجب ان تحرص الدولة بكل ادواتها على توفيره لافراد المجتمع كافة بعدل، وبالفعل ايضا هناك شريحة لا بأس بها من الطلبة سوف تبحث عن فرص لاكمال دراستها في الخارج، ومن الاولى ان ترعاهم جامعاتنا وان توفر على البلاد موارد عالية تنفق عليهم، هذه الحجج فتحت الابواب خلال السنوات الماضية لتحويل الجامعات الى ساحة للتنافس في استقطاب الطلبة في ضوء ظروف معظم الجامعات المالية المتردية وتراكم الفوضى الادارية فيها، كان الحل الامثل جذب المزيد من الطلبة وفتح عشرات التخصصات الجديدة والمكررة.
ترشيق الحامعات يعني ان لا تتحول الى جسد صعب تحريكه او إصلاحه، فالمسألة ليست بضخامة عدد الطلبة وتعدد التخصصات، يكفينا جامعات لا يتجاوز عدد طلبتها خمسة الاف طالب واخرى عشرة الاف وبعشرة تخصصات، تصبح المسافة لتحيقق اهداف جودة التعليم واهداف خلق بحث علمي نوعي مرتبطة بحاجات الناس والبلاد والقيام بدور ريادي ونوعي في المجتمع والدولة وتصبح جميع هذه الاهداف قريبة من المنال.
ترشيق الجامعات ليس بهدف البحث عن مهرب من الازمة المالية لبعض الجامعات، علينا ان نتأكد أنه حتى الجامعات التي حققت وفرا ماليا خلال السنوات القليلة الماضية هي جامعات فقيرة لأن حسابات الوفر في مثل هذه المؤسسات ترتبط بالانجاز، ولكي تنجز هذه المؤسسات فهي بحاجة الى توفير المزيد من التمويل، ولنا ان نعلم ايضا ان الجامعات الاردنية منذ سنوات طويلة تعطلت فيها الاهداف المعروفة للجامعات وتكرست تماما للعلمية التعليمية التقليدية، بلغ معدل ما انفق على التعليم في الأردن خلال السنوات الخمس الماضية  5 % من إجمالي الناتج الوطني، كان نصيب التعليم العالي حوالي 1.1% فقط من الناتج الوطني، وهي نسب متواضعة جدا بالمقارنة مع دول العالم الأخرى التي حررت اقتصادياتها قبلنا بعصور، ففي الولايات المتحدة ينفق على التعليم بشكل عام حوالي 20% نصيب الجامعات حوالي 7%، وفي اليابان ينفق على التعليم 16% من إجمالي الناتج الوطني، حيث لا يوجد شك اليوم بأن المعرفة هي العنصر الأغلى والاثمن في العملية الإنتاجية، والاستثمار الطويل الأجل بها هو ثروة الأمم الحقيقية.
وترشيق الجامعات لا يعني تفكيكها بل استعادتها واستعادة مكانتها الوطنية، من خلال جعلها بالفعل قلاعا للاستقلالية والهيبة المؤسسية والتميز ونشر ثقافة الجودة في كل مناحي الحياة، فالمطلوب جامعات دولة كما هو معروف في العالم الذي يحترم هذه المؤسسات ودورها، لأن دور الجامعات لا يتوقف عند التعليم والبحث، بل يتجاوز ذلك الى توليد القيم وحمايتها وفي مقدمة ذلك قيم الدولة والمجتمع معا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد