الحشد الاممي الكبير الذي شهدته أروقة الأمم المتحدة في اجتماعات الجمعية العامة الأخيرة كان بمثابة حفلة أممية صاخبة بامتياز. الخلاصة الواضحة: أصوات متعددة ولا احد يسمع الآخر، الفائدة الوحيدة التي ربما كسبها العالم من هذه المناسبة انها أعادت التذكير بحجم إفلاس وعري هذه المنظمة بعد ستة عقود ونصف من وجودها.
أضاع انشغال وسائل الإعلام بخطاب الزعيم الليبي الصاخب، ثم الانشغال بالإعلان الإيراني عن المنشأة النووية الجديدة الفرصة أمام الرأي العام العالمي لمعرفة التحولات الهائلة التي شهدتها المنظمة الدولية بعد عشرين عاما على نهاية الحرب الباردة.
تثبت الأحداث ان الحديث الصاخب، الذي ساد في منتصف التسعينات، عن إصلاح الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن، قد حول هذه المؤسسة عمليا الى أداة للهيمنة الدولية، بدلا من قصة الإصلاح التي نودي بها، بعد ان حافظت خلال عقود الحرب الباردة على كونها أداة لإضفاء توازن شكلي على العلاقات الدولية.
بالرغم من فشل مجلس الأمن في حل أو وقف نحو 85 حربا وصراعا دوليا، جاء استخدام مجلس الأمن في تطوره الجديد خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ضمن أربعة أنماط واضحة للهيمنة الجديدة أو المريحة: النمط الأول يقوم على استبعاد التدخل في عدد من الصراعات والأزمات مثلما يحدث في الصراع العربي الإسرائيلي المحتكر تماما للإادرة الأميركية، والثاني إدخال مجلس الأمن في أزمات لا تدخل في اختصاصه مثل أزمة لوكيربي، والنمط الثالث يسمح بالتدخل بقدر محدود لا يتعارض مع مصالح الدول الكبرى مثل ما يحدث في عمليات حفظ السلام، اما النمط الأخير فهو إضفاء الشرعية على سياسات وحروب الولايات المتحدة مثلما حدث في أفغانستان والعراق.
من المؤشرات الدالة على النتائج العكسية للمطالبة بإصلاح الأمم المتحدة النظر الى ماكنة قرارات مجلس الأمن خلال عقد ونصف، ففي دراسة حديثة رصدت هذه القرارات ثمة أرقام مدهشة؛ فعلى مدى 45 عاما من عمر المجلس أي عمر الحرب الباردة أصدر المجلس 678 قرارا فقط ، بينما صدر 1032 قرارا منذ عام 1991 إلى عام 2007.
المفارقة الأخرى أنه جرى استخدام الفيتو 261 مرة إثناء الحرب الباردة مقابل 22 مرة فقط في الحقبة الثانية، ما يعني كم كان العالم طيعا ومريحا أمام زخم القرارات والحروب الجديدة.
الدعوات الجديدة التي تقول بإصلاح آليات اتخاذ القرارات في مجلس الأمن وإصلاح نظام العضوية وإدخال قوى جديدة صاعدة وإدخال التكتلات القارية الى طاولة صنع القرار وتوسيع قاعدة احتكار الفيتو، لم تؤخذ بجدية واحترام.
بينما كان مجلس إلامن يعقد احد اجتماعاته التاريخية، وهو الاجتماع الرابع في تاريخ المجلس الذي يعقد على مستوى القمة دعا أعضاء النادي النووي الاممي أنفسهم الى إخلاء العالم من الأسلحة النووية في أجواء تصعيد الحملة على إيران من دون أي إشارة الى إخلاء الشرق الأوسط أولا من الأسلحة النووية.
هذا العالم يملك قدرة هائلة لا حدود لها في إعادة إنتاج الهيمنة وإضفاء الشرعية عليها، والأكثر دهشة القدرة على إضفاء مسحة أخلاقية على كل هذه الهيمنة والضجيج.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد