تبلغ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأنروا) من العمر ستين عاماً نهاية هذه سنة، وقد دخلت عملياً سن العجز مع تراجع قدراتها وتواضع إمكاناتها بعد نفور الممولين الدوليين من حولها، ما يعنى انهيارها القريب وفتح بوابة جديدة من بوابات جهنم التي تنتظر أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
   العالم المتمدن يسعى لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عمليا وعلنيا ليرتاح من هذا الملف الثقيل والمزمن، ومن الواضح تماما ان اكبر قضية لجوء في العالم تصفى اليوم لأسباب سياسية؛ فالخُطى المتسارعة في ضرب (الأنروا) هي الإشهار العلني للتصفية المنظمة لهذه القضية، بينما يزداد العالم ازدحاماً وفوضى باللاجئين العرب والمسلمين الذين يشكلون الحصاد الحقيقي لعقود من العلاقات الدولية الظالمة ومُخلفات نظم الاستبداد المحلية.
حسب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فان الغالبية العظمى من اللاجئين على مستوى العالم هم من المسلمين والعرب، وهذه حقيقة راسخة  تؤكدها حدة استقطاب الصراعات والحروب حول هذه الشعوب،  مع ازدياد حدة التعصب بشتى أشكاله العرقية والدينية والطائفية.
من مفارقات عالم اللجوء أن الحكومة الإسرائيلية التي وضعت هدفها الاستراتيجي الأساسي في إدارة الصراع شطب قضية خمسة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين من وعي العالم ووجدانه، أشغلت هذه الحكومة الرأي العام الدولي خلال الشهور الماضية وضمن تداعيات درامية تبحث عن السمو الأخلاقي بقضية مئات من اللاجئين السودانيين والأثيوبيين الذين عبروا إلى إسرائيل بحثاً  عن العمل أو هروباً من الصراعات والحروب منذ عدة سنوات، حبكة الدراما الإسرائيلية تَبرُز حينما يتدخل رئيس الدولة العبرية ويطلب رد قرار المحكمة  بطرد ثلاثة آلاف طفل من ذرية هؤلاء اللاجئين فهم حسب رأيه (يتحدثون العبرية بطلاقة وعلى استعداد للخدمة في جيش الدفاع).
وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات اليمنية تبحث عن حلول ومساعدات لإحتواء مشاكل اللاجئين الذين يتدفقون إلى البلاد وجُلهم من الصوماليين والذين تجاوز عددهم ربع مليون لاجئ داخل الأراضي اليمنية، أصبحت الدولة اليمنية اليوم وهي إحدى أقل بلدان العالم نمواً وترتيبها وفق مؤشر التنمية البشرية ( 153) بين دول العالم، أصبحت دولة تعاني من اللجوء الداخلي وترفض الدول المجاورة استقبال اللاجئين الفارين من الحرب المحلية المشتعلة في شمال البلاد، ومع الوقت يزداد صمت العالم على مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين فيما ما يزال العالم  حائرا في تصنيفهم.
في الوقت الذي يوجد فيه اللاجئون الفلسطينيون في أكثر من مائة دولة وان كان تركزهم في ثلاث مناطق فقط، يتشتت العراقيون واليمنيون والصوماليون والأفغان والكشميريون  في شتى أنحاء العالم، وكلما زادت حدة تركيز قضية اللجوء في العالم في المجتمعات العربية والإسلامية يزداد تراخي العالم ويزداد الاتجاه نحو تفكيك الأطر المؤسسية والمنظمات التي قامت من اجل إغاثتهم، ونكتشف أنها قامت من اجل إدارة عملية اللجوء لا أكثر.
عام 1949 تم وضع اللاجئين في العالم تحت مظلـة مفوضيـة الأمم المتحدة الساميـة للاجئين وتم استثناء اللاجئين الفلسطينيين من ذلك، وبعد خمسـة أيام فقط تم إنشاء وكالـة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في إشارة قانونيـة وسياسيـة لفصل قضيـة اللاجئين الفلسطينيين عن النظام الدولـي لحمايـة اللاجئين في العالم، وهنا نجد احد أسرار منهج إدارة اللاجئين إلى حين تصفية قضيتهم تماما، لاحظنا الحمى التي دارت بالهمس الإعلامي بين بعض القادة الفلسطينيين ونخب سياسية عربية في أجواء أوسلو والتي كانت تشكك في إمكانية العودة عمليا، يبدو ان سنوات التهيئة الإعلامية قد انتهت، وينتظر دفن " الانروا " كنهاية رمزية مهيبة.
عالم من دون جنسية ومن دون هوية ومن دون أهداف ولا مصير يتشكل بقوة، فيما يتضح يوماً بعد يوم أن منهج إدارة اللجوء في العالم يتحول إلى إدارة إما لتصفية قضية اللجوء من الوجود أو تحويلها إلى بؤر ساخنة لتوليد المزيد من الصراعات. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد