المشاريع الكبرى في تاريخ الأردن قامت عليها الدولة. ليس فقط مشاريع البنية التحتية مثل قناة الغور الشرقية بل المشاريع الإنتاجية مثل البوتاس والفوسفات ومصفاة البترول. وما كان ممكنا أن يقوم القطاع الخاص بهذه المشاريع في أزمنة سابقة حين كانت الدولة تسيطر على جزء رئيس من الدورة الاقتصادية وكان التراكم الرأسمالي ضعيفا والثروة بيد الأفراد محدودة.
الآن تغيّر الموقف وانتقلت كل المؤسسات الاقتصادية الكبرى إلى القطاع الخاص واجزاء من البنى التحتية أو على الأقلّ إداراتها (ادارة مياه عمّان مثلا). لم يعد هناك موقف مبدئي من دور القطاع الخاص في أي مجال، والأمر يتعلق بالجانب العملي فقط. من هذا الجانب لم نشهد حتّى الآن مشاركة ذات مغزى من القطاع الخاص في إقامة مشاريع بنية تحتية لسبب بسيط أن الرأسمال يعمل ويستثمر ضمن مدى زمني منظور ولا يضع ماله ويستثمره في مشاريع يتوزع مردودها على مدى أجيال.
مشروع الديسي يمثل أنموذجا على صعوبة، وأكاد أقول استحالة، قيام القطاع الخاص على هذه المشاريع، فليس هناك شركة مستعدّة للمغامرة في صرف مئات الملايين لاستردادها على مدى أجيال ومن دون ضمانات محسومة سلفا. القطاع الخاص يبدي استعدادا لتنفيذ مشروع، مثل الديسي مكفول من الدولة تماما وسلفا (أي بطريقة الـ B.O.T) فتلتزم الدولة بشراء كامل الماء المنقول من الديسي وبسعر يغطي على مدار فترة معينة الكلفة الرأسمالية والجارية والأرباح. والسعر بالضرورة سيكون أعلى كثيرا مما تبيع به الحكومة الماء للمواطنين، وهذا السعر لن يكون ثابتا بل قابل للارتفاع لأن سعر الفائدة على مال البنوك الذي موّل الشركات المشرفة على إنشاء المشروع قابل للتغيّر ويجب ايضا حساب التضخم وارتفاع الأجور والكلفة التشغيلية..الخ، وإزاء ذلك يعود السؤال: لماذا الإصرار على اعطاء مشاريع استراتيجية للبنية التحتية للقطاع الخاص؟
يمكن للقطاع الخاص أن يساهم فقط كمقاول فرعي في هذه الأعمال، وفي قطاع المياه تحديدا يجب على الدولة ان تكون المالك والممول. إن مشروع الديسي ومشروع قناة البحرين يشبهان ما كانت عليه قناة الغور الشرقية في حينه. ومشروع الديسي لا يختلف كثيرا عن مشاريع السدود المائية الكبرى، فهل نتخيل إقدام القطاع الخاص على اقامة السدود والاستثمار فيها؟ لا نعتقد أن توفير المال هو المشكلة، يمكن تدبير المال بوسائل مختلفة مثل استخدام أموال التخاصية وقروض الضمان الإجتماعي وحتّى شهادات الاستثمار والأسهم الحكومية.
لقد ضاع الكثير من الوقت في تجريب قيام القطاع الخاص بالمشروع والآن تدرس الحكومة آخر العروض وانطباعنا أننا أمام هدر آخر للوقت.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري