خلّفت حرب الخليج الثانية جروحا غائرة وانقسامات عميقة احتاجت الى عقد ونيف من الزمن لكي يبدأ الجسم العربي بتجاوزها وقد تقلبت الأزمان والظروف واختلفت التحديات وتغيّرت التحالفات، ولم يبق من ملامح خريطة الانقسام القديم شيء.
من غير المعقول أبدا أن يصرّ البعض على العيش حبيس تلك الحقبة ومشاعرها وليس من حقّه اللعب على الجرح القديم وعلى حساب صورة الكويت والكويتيين. نحن نقدّر ونفهم أن اهانة الكويتيين باحتلال بلدهم ولّدت ردّة فعل غيّرت الى الأبد رؤيتهم للأمور، لكن حتّى في ظلّ هذا التغيير المفهوم ليس صحيحا ابدا اجترار مشاعر وخطاب ولغة تلك الفترة.
أسمح لنفسي بقول هذا لأنني على الأقلّ لم أكن في أي وقت من الذين هتفوا لصدّام أو أيّدوا سياساته، ولأنني اعتبرت أن ما فعله باحتلال الكويت كان كارثة على الجميع، وهي على كل حال لم تكن الكارثة الوحيدة، فالحرب مع ايران كانت كارثة وعدم اعترافه بالأخطاء واصراره على البقاء في السلطة كان كارثة أدامت الحصار ومهدّت للاحتلال الذي صنع بالعراقيين كارثة لا مثيل لها من قبل ومن بعد، فبدل السلام والازدهار حصلوا على بحر من الدماء والدموع وانقسام وخراب ما بعده خراب، ولا حاجة لتفصيل ما يعانيه الفلسطينيون أو اللبنانيون ولا حال المنطقة عموما وهي على شفا هاوية لا يعلم الاّ الله مداها، ونحن كعرب في موقع العاجز المتفرج على معركة شدّ الحبل بين ايران وأميركا، لا ندري هل تنتهي بمواجهة ندفع نحن ثمنها أم بصفقة نكون نحن ضحيتها. والكويت ليست بعيدة عن هذا المعترك بل في قلبه وهاجسها هاجسنا ومخاوفها مخاوفنا، وقد تنازعت الكويتيين مثل كل ابناء الأمّة مشاعر شتّى منذ أحداث 11 أيلول وحرب بوش على الإرهاب وانجرف تيار من الرأي العام الكويتي ايضا وراء الخطاب الجهادي، كما انجرف الرأي العام العربي قبل ذلك وراء الخطاب الصدّامي، وزادت شعبية بن لادن عن 60% في الكويت، وهو عدو الولايات المتحدّة وعدو السعودية حلفاء الكويت الكبار في معركة تحريرها.
فبعد هذا كلّه يعود البعض بأي مناسبة لاجترار لغة غير ذات صلة، كأن الزمن توقف قبل عقد ونصف! والحال على ما نرى ليست كذلك لا في قيادة الدولة ولا عند الناس العاديين، لكن يبدو أن قلّة قليلة ما زالت تبحث عن الربح من المتاجرة بسلعة لم تعد قيد التداول، بينما التحديات الحالية والحقيقية مختلفة تماما، وأبرزها نزعة قوى داخلية تشدّ الكويت الى الوراء متخلفا عن أشقائه الخليجيين الذين ينطلقون بسرعة صاروخية.
مناسبة الحديث مقال وخبر. مقال في صحيفة الوطن الكويتية يردّ على السيد نبيل عمرو، مستشار الرئيس أبو مازن، الذي كتب للقبس مقالا عن الكويت ودّيا للغاية ومليئا بالحنين تحت عنوان "غياب ثمّ اياب"، وفي الردّ ترد عبارات مثل " لن تثيرنا كلماتك الهزلية ولا تملقك لشعبنا الذي لم ينس ولن ينسى ما فعلته ورئيسك المقبور(ياسر عرفات)". ويبدو أن هذا الرأي يناسب هوى الصحيفة التي أوردت قبل ذلك بيومين خبرا عن عودة "دول الضد"! التي ستحاسبها الكويت على موقفها، ويورد المقال حيثيات مفتعلة بلا أي اساس في سلوك هذه الدول مثل القول إن الموقف الأردني ليس قويا تجاه منظمات في الأردن تسيء للكويت وإن للكويت استثمارات كبيرة في الأردن لا تحظى برعاية رسمية كافية، وينسب المقال الى وزير الخارجية الكويتي توجها من صندوق التنمية لوقف قروض ومشاريع مع 5 دول هي الأردن والسودان واليمن وتونس وليبيا، وقد تابع موقع عمّون الالكتروني هذا الخبر وحصل على تصريحات أردنية وكويتية تنفي هذا الكلام.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري