إلى شهداء وأبطال معركة "الكرامة" المجيدة...
وإلى ذكرى المقاتل والقائد الكبير:
"مشهور حديثه الجازي"
... ولا بد من يوم تعم فيه "الكرامة" بلاد العرب
*الحادي والعشرون من آذار- مارس، هو عيد الربيع، ورأس السنة عند الفرس والأكراد (النيروز)، ويوم الأم عند عدد من الشعوب...
لكن ما منحه أهمية استثنائية لدى العرب المعاصرين (خصوصاً في المشرق)، هو أنه اليوم الذي وقعت فيه معركة "الكرامة" المجيدة، أول مواجهة كبيرة بين قوات عربية وإسرائيلية بعد هزيمة حزيران- يونيو 1967م المذلة.
كانت "الكرامة" معركة دفاع فعال وصد ودحر لقوات إسرائيل المعتدية التي عبرت نهر الأردن فجر الحادي والعشرين من آذار- مارس عام 1968م(بزعم سحق وحدات الفدائيين الفلسطينيين الذين انطلقت من منطقة الاغوار عملياتهم ضد القوات الاسرائيلية, واتخذوا من مخيم الكرامة مقرا لقيادتهم) ولم تكن معركة فاصلة كحرب حزيران 1967م، أو حرب العام 1948م اللتان رسمتا نتائج جيوبوليتيكية (سياسية- جغرافية) في المنطقة، لكن أهميتها المعنوية والنفسية فاقت بكثير نطاقها ونتائجها العسكرية.
جاء مصدر الأهمية من أن الأمة العربية قد اشتاقت ليوم فرح وعز بعدما صدمتها بعمق حرب حزيران- يونيو الكارثية التي أدت إلى احتلال ما تبقى من فلسطين (القدس الشرقية، الضفة الغربية، قطاع غزة)، وصحراء سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، وهزمت فيها ثلاثة جيوش عربية...
وكان أسوأ ما فيها وأكثره إيلاماً وجرحاً للكبرياء، أن الجيوش لم تقاتل، بل انسحبت في تخبط تاركة الميدان وأرض الوطن للعدو خلال أيام فقط...
* * *
لكن الصدمة –وبرغم هولها- لم تُطح بإرادة الأمة ولم تُطفيء عزيمتها وتدفعها إلى اليأس والإنكفاء..
وبدل الاستسلام للعدو المنتصر –كما كان ينتظر- انطلق غضب شعبي عربي عارم رافض للإذعان ومصمم على الصمود والمواجهة "فإذا كنا قد خسرنا معركة فالحرب لم تنته بعد.." كما قال الجنرال "ديغول" من منفاه في لندن محرضاً الفرنسيين على المقاومة غداة هزيمة واحتلال فرنسا أمام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
تجلت إرادة الصمود مباشرة في رفض استقالة الرئيس "جمال عبدالناصر"، وفي الدعوة لمراجعة أسباب الهزيمة ومحاسبة المسؤولين عنها والإعداد للمعركة القادمة، وتجلت في تنامي الوعي والاستجابة لدعوة الكفاح الشعبي المسلح التي انطلقت طلائعها في العام 1965 وتجددت بعزم بعد هزيمة حزيران- يونيو...
* * *
وإذا كان الفلسطينيون هم الذين دفعوا الثمن الأكبر للهزيمة باحتلال كل وطنهم وبتشريد وتهجير مئات الآلاف منهم مجددا، فقد كان الأردن هو البلد العربي الذي وقع عليه العبء الأثقل للهزيمة بخسارته للضفة الغربية التي كانت في وحدة معه منذ ما بعد حرب 1948م، وبلجوء العدد الأكبر من الفلسطينيين المشردين إليه..
وما كان ممكناً في مثل هذا الوضع أن تُقبل الهزيمة كمصير نهائي.. ناهيك عن الاحساس بما تفكر به القيادات الإسرائيلية من خطط لاحتلال مناطق في الأردن (سلسلة الجبال المتاخمة لشرق نهر الأردن) وطمس القضية الفلسطينية (وطناً وشعباً) وجعل الأردن الوطن البديل.
في هذا الجو الممتزج بمرارة الهزيمة القاسية، والخشية من الآتي، والغضب المتقد، ولد الروح المكابر الذي عبر عنه المقاتل العربي في يوم الكرامة..
وكما تتلقف العروق اليابسة الظمأى حبات المطر، تلقفت الأمة الكسيرة روح الكرامة التي أكدت لها بالتجربة الحية صحة رهانها وقدرتها -ليس على الصمود فقط- بل وعلى المواجهة والانتصار...
* * *
... وكانت الكرامة أول ربيع عربي يأتي بعد صيف حزيران اللاهب المجدب...
المراجع
nayef.nawiseh.com
التصانيف
أدب مجتمع