النتائج التي خرجت بها الدراسة التي اعدتها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع مشروع سياحة (2) الممول من الحكومة الاميركية نعرفها تماما، ولكنها جاءت  لتضع اصابع اليدين على واحد من مصادر اختلالات الاولويات التنموية، وبالتالي اختلال سلم الوعي بالحاجات والفرص لدى الاسرة الاردنية، حيث تشير هذه الدراسة وغيرها الى حجم الفرص النوعية التي تتيحها السياحة  ذات الميزات التي تنعكس على نوعية الحياة مباشرة، بينما ما  يزال  هناك ضعف وتردد لدى فئات واسعة من المجتمع الاردني نحو الالتفاف لهذه المهن المستقبلية، حيث ما يزال قطاع السياحة يعاني من ضعف معظم صنوف العمالة  في المهن السياحة وغياب الأردنيين عن وظائف ومهن قيادية وفنية عديدة تعد بالفعل من المهن الثرية.
  في الوقت الذي يحافظ قطاع السياحة ويكاد يكون الوحيد على عافيته الاقتصادية، بل وشهد تقدما خلال السنوات الثلاث الماضية حيث وصلت مساهمته في إجمالي الناتج الوطني إلى 16% ، فيما تزداد الاستثمارات في هذا القطاع بشكل ملاحظ، نجد انه ما تزال هناك مصادر ضعف هيكلية تثير الحيرة مرة اخرى؛ بعضها تتحمل مسؤوليته الحكومات والمؤسسات العامة، وأخرى القطاع الخاص الذي ما يزال يتعامل مع السياحة على طريقة لعبة الاحتكارات المغلقة، في حين تقف مسألة تنمية الوعي السياحي المجتمعي على رأس الاولويات المستقبلية، فمن المحير أيضا أن هذا القطاع الذي يحتاج خلال أربع سنوات قادمة إلى نحو 50 الف فرصة عمل نوعية يفوق دخلها معظم القطاعات الأخرى ما يزال يلاقي ضعفا في الإقبال من قبل الشباب الأردني وإحجاما تاما من قبل الإناث، وهذا يلاحظ أيضا في ضعف الإقبال على كليات السياحة وإدارة الفنادق في الجامعات.
يتمثل الوعي السياحي في محصلة العلاقات والنتائج التي  تطرحها عملية التفاعل بين مختلف الأطراف الفاعلة في السياحة، والتي تبرز في كفاءة وفعالية كل عنصر من عناصر المنتج السياحي في تمثل الأهداف المطلوبة من كل طرف، وهؤلاء الفاعلون هم  المؤسسات الرسمية التي تلقى على عاتقها مسؤولية رعاية القطاع في مرحلة التنمية وأهم أدوات التنمية في هذه المرحلة الوعي المجتمعي وتطوير جودة المخرجات، ثم القطاع الخاص والعاملون في السياحة الذين يمتلكون الموارد البشرية وتصب نتائج التنمية في مصالحهم المباشرة ويرتبط وعيهم بمستقبل هذا القطاع وبمدى ادراكهم لمفاهيم الاستدامة والعلاقة مع المجتمعات المحلية، بينما يبقى المجتمع هو المتلقي والمستخدم الأخير لنتائج التنمية في هذا القطاع. ويتحكم مستوى الوعي والادراك لدى الفرد والاسرة بأهمية الفرص الجديدة ومهن المستقبل وطرق التأهل اليها في تحديد خيارات المنتجين الجدد لهذه المهن وفي تحديد مستقبل السياحة باكمله، هناك أمثلة عالمية ودراسات منذ عقود تثبت كيف يسهم الوعي السياحي المجتمعي والمؤسسي في خلق تنمية سياحية وثراء مجتمعي مقابل ما يمكن ان يحدث اذا ما أُهملت مسائل بناء اتجاهات جديدة وصديقة للتنمية السياحية، ويمكن المقارنة في هذا الشأن بمثالي قبرص ومالطا.
والمسألة الأخرى أن الوعي السياحي لا يرتبط بالجانب الاقتصادي بل هو أحد مخرجات الاشتغال على الخصوصية الثقافية ويحمل مضامين سياسية مرتبطة بالهوية والانتماء. والوعي السياحي أحد عناصر ومضامين عملية الاتصال الثقافي ذات التأثير المباشر وغير المباشر في الثقافة الوطنية وتأثير ذلك في توجيه عملية الاتصال الثقافي نحو حفظ التراث الثقافي والطبيعي الذي يعد رمزا لهوية المجتمعات ومصدر خصوصيتها الثقافية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد