ظلت اللحظات الانقلابية في العالم عبر تاريخه القريب والبعيد تستمد قوتها التبشيرية من تجليات المثقف ومن طموحاته التغيرية. وظل العالم يتلقى الركلات الترجيحية في أي لحظة مفصلية وانقلابية من رؤى المثقف ومن حلمه وكده في اجتراح الشكل الأخير للتغيير وحلم الثورة.ِ

ومن يراجع حجم الرموز الثقافية والفكرية التي كانت تعمل ليل نهار على الشكل النهائي للثورة القرنسية سوف يتأكد من هذا الكم الهائل من الرموز الفكرية التي ساعدت في رسم الشكل المعرفي والحضاري لتلك الثورة. والحال ينطبق ايضاً على انقلابات ومتغيرات الثورة البلشفية التي شكل محتواها التنظيري ماركس وانجلز ومن ثم لينين وتراوتسكي.

وعربياً وعلى الرغم من الهمّة العجيبة التي ابدها المثقف العربي مع بداية تشكل الوعي السياسي العربي وانخراط المثقف في الاحزاب السياسية التي سعت الى بناء الدولة الحديثة فان الملاحظ ان قوى قاهرة سعت وفي وقت مبكر من القرن المنصرم وقرننا النيء هذا الى سحب البساط من تحت اقدام المثقف.

وقد ترتب على هذا النأي الاقصائي للمثقف العربي الحضور الطافح للمتعلم العربي الذي تمثل بالعسكر والاحزاب المفرغة المضمون والبعيدة كل البعد عن الفعل الاجرائي لرسم احلام الجماهير وتحقيقها. وبناء عليه ظلت الانقلابات العسكرية هي المؤسس الحقيقي لشكل الثورات وظلت الدبابة التي تقترب من مبنى الاذاعة لالقاء بيانها الاول هي الديدن لشكل الثورات العربية وضجيج اللغة الثورية في مايكرفون الاذاعة.

ومن يراقب التحول الذي عاشه العالم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بين قوى عالمية مثل الغرب وامريكا وروسيا وحتى الصين سيكتشف كيف ركضت الجهات المحركة لمثل هذه القوى الى الثقافة الكامنة لتحريك الحرب الثقافية بين الشرق والغرب وبين القناعات الايديولوجية عند هذا الطرف او ذاك.

والحق يقال ان الجهات المتحاربة في هذا النهج الثقافي وتحولاته قد خصصت الملايين من الدولارات من أجل قلب طاقية العالم وجعله يردد من خلفها الهتاف الذي تريد، وان قوى استخبارتية عالمية قد جندت كل قواها الفكرية من اجل ان تربح معركتها الثقافية والتاريخية.

نعم الى هذا الحد تم استعمال القناعات الثقافية والفكرية وتوظيفها في معارك دامية فكرياً.

وما تعبير مصطلح «الحرب الباردة» هو من اعقد المصطلحات التي كانت تعلن عن «حرب باردة» بينما هي في الواقع من اسخن الحروب التي عاشتها شعوب العالم.

وبناء عليه فقد ادركت الطليعة السياسية العربية والغربية خطورة حضور المثقف العربي في هذا المعمعان الحضاري وقامت على الفور بفعل الاقصاء والتعتيم على دور المثقف العربي وظل المثقف العربي يقيم في مساحة الحرمان السياسي وتكتيم الصوت ولجم الرغبة في البوح والمشاركة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور