هكذا وبلمحة بصر انقلبت حياتنا كل هذا الانقلاب حيث بدأ كل واحد منّا يفقد خصوصيته التي تميزه لينخرط بنوع من التهور المجنون في الكابوس العالمي. وان يلتصق لحمه بكل هذا الدبق الكوني اللزج الذي يمنعك من ممارسة ابسط حقوقك الانسانية في التنفس المعافى بين شهيق وزفير
نعم ذلك ان كلمة خصوصيتي او مناخي الخاص صارت من المفردات العجيبة التي يصعب التعامل معه او التكون معها ولهذا ترى الواحد منا وقد انخرط بالعموميات
في كافة مناحي الحياة الاجتماعية لا بل صار مطالباً في ان يزكي حضوره في كل القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية واصبحت الآراء والافكار تدخل في احصائيات تبنى على اساسها الافكار السياسية والرؤى المستقبلية.
نعم فالامر لم يعد يحتمل الانتظار فما كنا نعتقد انه راسخ ويقين قد بدأ يتخلخل ويهتز فصار لزاماً علينا اعادة النظر في الراية التي ترفرف فوق رؤوسنا وفي نشيدنا الوطني وفي مناهجنا المدرسية وفي كل موروثنا الفكري والاجتماعي.
وصار يمكن الاعتداء على الجغرافيا التي كانت مقدسة كما انه بات من الممكن العبث ديموغرافياً بالثابت سكانياً واجتماعياً وترحيل مجتمعات كاملة من مناطقها الجغرافية الى مناطق اخرى.
نعم صار من الممكن اعادة تشكيل المجتمعات باندغامات جديدة تندمج وتنصهر مع بعضها قسراً او قهرا استناداً الى حوادث تاريخية كان قد هضمها وصهرها التاريخ والا كيف تشكلت من رحم التاريخ الانساني كل هذه الدول وكل هذه الرايات |
وانه لولا الخراب الذي كان يحل في العالم ليعيد تشكيله في كل مرة من جديد لما دخل العالم كله في كل هذا التنوع في المرجعيات واختلاط الاصول.
ان الارتعاشة الروحية التي كنا نصاب بها امام نهر او بحيرة او حتى جبل او هضبة كل هذه قد بدأت تنسحب تدريجياً وصار الواحد منا وكانه الكائن الحي الوحيد الذي يدب على الارض. ان الفيتنا الثالثة هذه هي الفية تدميرية تجيء كي تجب كل ما هو سائد من قناعات ومن ثوابت وعلينا ان نستعد للرحيل من جديد لتتعلم البشرية فن التكيف من جديد.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|