الفلقة، أو(الفلكة) بالعامية لمن لا يعرف ماهيتها، هي عبارة عن تثبيت شخص ما والقائه على ظهره ورفع قدميه بعد خلع حذائه وجرابه ، وتثبيتهما على كرسي او على طاولة او ربطهما على عصا يمسكها شخصان ،وجلده على اسفل قدميه بواسطة حزام جلدي او عصا خشبيه او قضيب حديدي او بلاستيكي اوسلك معدني مغلف بالبلاستيك او غيره.
 
حسب علمي فان هذا الاسلوب يستخدم واستخدم من القدم للعقاب والترويض للفتية المتمردين او المخالفين من اهاليهم، وللثوار المناوءين لمحتليهم ، وللاحرار المعارضين للمستبدين والظلمه من الحكام، ومن المعلمين ضد تلاميذهم الذين لا يلتزمون بواجباتهم المدرسية….الخ.
 
في الثقافة العربية القديمة كانت تعتبر( الفلقة) دواءا لداء التمرد في ظل نظام ابوي مستبد يرفض التغيير ويمقت النقاش والاختلاف ويمجد المركزية والجمود.
 
اما في عصرنا عصر التعددية والفضائيات والديمقراطية والحريات والانترنت والصحافة ، فكنت اظن ان عصر" الفلقة "قد وللى بلا رجعه، واننا قد ودعنا العنف والقهر والظلم والحرمان ، واننا على ابواب انطلاقة جديدة نحو المستقبل وأننا طلقنا الثقافة الاستبدادية التي أوصلتنا الى ما نحن فيه من تخلف وانحطاط حضاري.
 
خيبت آمالي بالتأكيد ف"الفلقة" لا زالت باقية مادياً ومعنوياً ، بين ظهرانينا وفي العالم أجمع، تحكم السياسة الداخلية بيننا وتحكم سياسة القوى الكبرى معنا.
 
والغريب أن هناك من أجهزة القمع العربية وحتى الأجنبية ، من عالمنا العربي وصولاً إلى غوانتنامو من عاد أو استمر في استعمال الفلقة في تحقيق أهدافه من ابتزاز الاعترافات تحت القسر والتعذيب والاذلال وكسر إرادة وتحطيم نفسيات من يستهدفونهم.
 
فاستعمال الفلقة لا زال يستعمل على نطاق واسع بالرغم من تقدم علوم النفس والتحقيق ، وحتى عدونا الصهيوني طور تحقيقاته بحيث يكون العنف آخر المطاف في التحقيق ، واللافت انه لا يستخدم الفلقة، في حين نحن أعدنا أو استمرينا في استعمالها وبتوسع غريب !.
 
طبعا استخدام الفلقة يعكس رغبة شديدة في إيذاء الانسان المستخدمة ضده، ورغبة جامحه في إذلاله وإهانة كرامته ، خاصة عندما لا يرغب الشخص الذي يعذِب بالفلقة أن يسمع صراخ ضحيته فيلجأ إلى نزع جراب الضحية من قدمه ويملؤه ملحاً للطعام ويضعه في فم الضحيه ويستمر في تعذيبه!.
 
كما ر أى الكثيرون أساليب أخرى من التفنن في هتك آدمية المعذبين في الفلقة مما رشح من السجون العربية ، طبعاً لا يتسع المجال هنا للحديث عن أساليب التعذيب المتنوعه التي تستخدم بحق الانسان العربي . 
 
وبما أننا نتحدث عن ظاهرة" الفلقة"، فالفلقة تعتبر ثقافة، وليست ممارسة فقط في مجتمعنا ، وتعتبر رغبة كامنة أو ناراً تحت الرماد تظهر كلما أتيحت لها الفرصة، رغبة من أصحابها في ممارسة القهر على الآخرين، أو ممارسة ساديتهم، أو تعبير عن نفسيات كانت تعيش على الدوام على هامش المجتمع و أصبحت بين ليلة وضحاها في موقع يمكنها من ممارسة هكذا ممارسات، فتتجه للانتقام من المجتمع ، متلاقية مشاعرها مع طموحات طبقة سياسية أو إقتصادية أو دولة غازية …الخ.
 
الفلقة موجودة في مجتمعاتنا في الأسرة ، فيحرص الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت أو كبير العائلة أو القبيلة، لفرض هيمنته على الآخرين، ويلجأ لفرض العقاب والحرمان والمقاطعه على من يخالفه، ويستعمل في سبيل ذلك العديد من الأساليب ، قد تكون الفلقة بماديتها احد أساليبه.
 
كما أن العائلات والحمائل والقبائل والتجار والصناعيون، كلهم يستخدمون فلكاتهم من أجل تطويع وكسر إرادة منافسيهم، وأحيانا القضاء عليهم، وقد يستخدمون في ذلك أجهزة أمن الدولة التي يعيشون فيها، ليتم استخدام الفلقة نفسها ضد الخصوم لإظهار قدرتهم، ورسم الخطوط الحمراء لهؤلاء الخصوم بواسطة الفلقة.
 
الأحزاب والتيارات السياسية والفصائل ايضاً، قد تستخد فلقتها في صراعاتها فيما بينها ، فتجد المتسيد والحاكم منها يستخدم فلقته ضد خصومه، وقد يستعين على خصومه بفلقة أمريكية أو إسرائيلية أو غيرها.
 
تلجأ الدول لاستعمال الفلقة فيما بينها لعقاب من يهدد مصالحها، وفلقة الدول تتجاوز العصا أو قضيب الحديد إلى القصف بالطائرات والصواريخ والحصار الاقتصادي، أو حتى الغزو والاحتلال العسكري، وقد تكون أيضاً بإعدام مخالفيها بأسلوب وأداة جديدة للفلقة، بعد أن تكون استخدمت الفلقة بماديتها، بل أبشع من ذلك في التحقيق مع زعيم هذه الدولة وأنصاره في سجونها وسجون مناصريها، كما حدث مع الرئيس السابق للعراق صدام حسين.
 
قد تستخدم الدول فلقتها لتأديب دول اخرى تعدت عليها، أو على مصالحها مستقوية بأطراف أخرى، كما حدث مع جورجيا ساكشفيلي، التي تعدت على مصالح روسيا الاتحادية وجرحت كرامتها، فكان لها أن ضربت بشده أفزعتها وحلفاءها وفاجأتهم من قوة ردة فعل الفلقة الروسية.
 
إذاً الفلقة بماديتها ورمزيتها، هي أداة قمع وتطويع وتحطيم إرادات وتحقيق غايات لمن يستعملها ولمن تستعمل ضده، وهي بالتالي لا تقتصر على الفلكة البدائية -مع أنها لا زالت مستخدمة- إلا أنها تتعدى الأساليب التقليدية في الاستعمال، وفي الأدوات، لتحقيق نفس الغايات التي استحدثت الفلقة لتحقيقها.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع