حتى مجانيي زمان كانوا يختلفون عن مجانيي هذه الايام، حيث كان يبدو المجنون وكأنه يعرض شراكته الجنونية على كل من حوله فيبدو وكأنه يقاسم الناس جنونه فتراهم يتابعونه ويحيطون به اينما ذهب ويراشقونه بالشتائم والحجارة وباقي ادوات الايذاء

فقد كان المجنون وحينما يطل بقامته المرتعشة عند بوابة الحارة حتى يبدا الاطفال بالاستنفار الكامل وهم يتوعدونه بالشتائم والحجارة وكان هو يبادلهم الشيء ذاته وقد كان لكل مدينة اردنية مجنونها الشهير اذ لا يمكن ان تشاهد واحد من مجانين اربد في الزرقاء او عمان مثلا

وهذا يقودنا الى القول بان مجنانين زمان كانوا اسرى جغرافيا المكان بحدوده الضيقة

وقد كان هاجس الجنون الجمعي يدخل في التجلي الجنوني وذلك حينما يتم اقتياد مجنون آخر من بعض الاحياء القريبة فتراهم وقد بدا الاختلاط بينهم وكأنه من الاختلاطات الكوكبية النادرة

والغريب ان هذه الوجبة الجنونية كانت تنهض الجنون النائم والثاوي عند الاخرين فترى المجنون يستدرجهم نحو مساحته المختلة اولا باول فعلى سبيل المثال قد يكون مفتاح بوابة الجنون عند احدهم لفظ اسم انثى وهي ربما تكون امه او شقيقته او حتى خالته وان يقوم اي واحد منّا بلفظ الاسم امامه حتى تبدأ شرارة الجنون تقدح في عينيه

والاكثر غرابة ان مجانين زمان كانوا يوقظون النزعة السادية عند الاخرين بحيث يتكفل بعض الاشقياء بالاختلاء بالمجنون والعمل على ضربه بقسوة منقطعة النظير ودون اي رحمة وكان هو يتقبل هذا الشقاء بنوع من الحيوانية المُصمتة

وقد كان يصعب ان تجد مجنوناً يتجول في الشارع او الزقاق لوحده فهو على الاغلب يتحرك في زفة جمعية تحتفل بجنونه فتصبح حالة الجنون حالة جمعية تماماً

ان الشراكة الجمعية في الجنون كانت تؤكد على انه كان من الممكن تخليص المجنون من ازمته النفسية لكن الجنون الجمعي كان ينهض فيبدو وكأن المدينة بكاملها تعاني من الجنون


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور