تربية المواشي والأبقار مهنة خاسرة بدون دعم الدولة. ويتضح ذلك من الفرق الكبير بين كلفة تربية الماشية محليا واستيرادها، ولا ذنب لأحد في ذلك فالسبب ببساطة أن الدول الموردة لنا تعتمد معظم العام على المراعي الخصبة بينما نعتمد، نحن الذين لا يدوم الربيع عندنا أكثر من شهر، على الأعلاف.
هذه الحقيقة القاسية تضعنا أمام خيارات محيّرة، ذلك أن اتّباع المنطق الاقتصادي السليم يعني التخلي عن هذه التجارة الخاسرة (التربية المحليّة للمواشي والأبقار) التي لا تستمر الا بدعم عالي الكلفة من الدولة، لكن من يجرؤ على قرار بإعدام الثروة الحيوانية المحلية؟!
المشكلة لا تقتصر على اللحوم التي سنستوردها حتى آخر رطل من الخارج، فهناك صناعات أخرى متّصلة بهذا القطاع مثل الحليب ومشتقاته وصناعة الأجبان والألبان وهي صناعة واسعة ومزدهرة. وكانت المصانع بتشجيع وضغط من الدولة قد تحولت الى الحليب الطازج المحلي مما ساعد على  توسع وازدهار مزارع الأبقار، وبرفع الدعم نهائيا سوف يعود الحليب الجاف المستورد هو المادّة المستخدمة في صناعة الألبان ومشتقاتها بما في ذلك "الجميد الكركي"! نهاية محزنة! أليس كذلك؟
مرّة أخرى نحن أمام خيارات مستحيلة. فليس بقاء الدعم بالمستوى الحالي مفهوما اقتصاديا ولا القضاء على الثروة الحيوانية وقطاع تربية الأبقار والمواشي مقبولا وطنيا، فلا بدّ من البحث عن حلول أخرى، وقد اختارت الحكومة حلاّ وسطا مثل الدعم النقدي لمربي الغنم تحت 500 رأس ورفع الدعم نهائيا عن الأبقار. لكن هذا ليس حلا وسطا تماما فأسعار لحوم الأبقار المحلية ستصبح عاجزة كليا عن المنافسة، وأسعار الألبان ستقفز قريبا الى الضعف. وفي النهاية ستضطر المصانع الى اللجوء نهائيا لبودرة الحليب المستوردة وستغلق مزارع انتاج الحليب نهائيا. أمّا الدعم النقدي المحدود لصغار مربي الماشية فهو اجراء انتقالي مؤقت.
من الواضح اننا نحتاج الى حلول أكثر تعقيدا لضمان وصول الدعم بالطريقة والحجم الصحيحين لضمان استمرار تربية الماشية والأبقار. ونحتاج الى دراسة علمية مترويّة حول سبل توفير الغذاء للمواشي والأبقار المحليّة بكلفة معقولة. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري