فتح رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه برّي نافذة للأمل بمبادرته الجديدة. لقد اقترح تنازل المعارضة عن مطلب "حكومة الوحدة الوطنية" مقابل موافقة الأغلبية على مطلب انتخاب رئيس جمهورية بالتوافق وبأغلبية الثلثين. الاقتراح يكسر الجليد ويفتح طريقا أمام الحلّ، والدليل أن المعارضة لم ترفض الاقتراح وأعطت نفسها مهلة للتشاور والدراسة قبل تقديم الردّ.
الأغلبية لا تتعامل مع المقترح بوصفه تنازلا كبيرا لأن أي طرف يستطيع أن يقدم أقصى ما يريد من مطالب، ثم يعتبر تخليه عن بعضها تنازلا يستوجب موافقة الطرف الآخر على الباقي، مع ذلك فالشيء العملي المهم هو ازاحة شرط قديم من الطريق بحيث يمكن الانتقال مباشرة للبحث في موضوع رئاسة الجمهورية.
منذ عام تقريبا شلّ حزب الله وحلفاؤه لبنان بمطلب حكومة يملكون فيها "الثلث المعطّل" ولم تنجح كل الوساطات والجهود في زحزحتهم عن هذا المطلب المستحيل قبوله من الأغلبية. ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي أضيف مطلب جديد هو الرئيس التوافقي، وحذّرت المعارضة من انتخاب رئيس بأغلبية النصف زائد واحد لأن ذلك ليس شرعيا ولا دستوريا اذ يجب انعقاد جلسة الانتخاب بنصاب الثلثين.
والحقيقة أن القضية ليست دستورية، فالمادّة 49 من الدستور اللبناني وتعديلاتها تقول: "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي". وهذا النصّ لا يشير الى النصاب بل إلى عدد الأصوات التي يحتاجها انتخاب الرئيس.
أمّا النصاب فهو بالنصف زائد واحد حسب نص المادّة 34 ، فاذا قاطعت المعارضة الجلسة الأولى تبقى شرعية، لكن الأغلبية لن تستطيع انتخاب رئيس الجمهورية إلا في الجلسة التي تليها. أمّا العمل غير الدستوري حقا فهو تعطيل الرئيس لحّود والرئيس برّي لمجلس النواب رغم أنف المادّة 33 التي تقول: "على رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه".
المسألة ليست دستورية وقانونية، فالبلاد عرضة للانفجار والحرب الأهلية اذا لم تجد الأزمة حلاّ سياسيا، والحلّ السياسي يجب أن يكون واقعيا متوازنا فمن المستحيل مثلا وتحت أي ابتزاز قبول الأكثرية الخضوع لسلطة الأقلية، وهو ما كان ينطوي عليه مطلب الثلث المعطّل. أمّا المطلب الثاني، أي الرئاسة التوافقية، فهو أكثر عقلانية ومنطقية، ومشكلته الوحيدة هي ايجاد هذا الرئيس العتيد الذي يرضى به الجميع!
مبدئيا، نعتقد أن على الأغلبية قبول المقترح مع حقها ربط هذا القبول بانهاء الاعتصامات واشكال العصيان المدني الأخرى، ليصار الى الدخول في عملية البحث العسيرة عن شخصية اجماع وطني في اجواء مريحة تمكن اللبنانيين الذي يعيشون في يأس وكآبة تامّة من استرداد بعض الروح في معيشتهم اليومية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري