يشكل "مؤتمر هرتسليا للأمن والمناعة القومية" الذي ينظم منذ عشر سنوات مناسبة ذات وجهين: الأول تقديم مراجعة شاملة لمصادر التهديد كما يراها  الإسرائيليون لكيانهم  والفرص المتاحة أمام إسرائيل  في البيئات الإقليمية الدولية باعتبار المناسبة تعبر عن تفكير بصوت عال للعقل الاستراتيجي الإسرائيلي في مختلف مواقعه، والوجه الثاني مناسبة دعائية تحتمل تمرير ما تريد أن توصله مراكز صنع السياسات الإسرائيلية للعالم وللمحيط الإقليمي، وتحديداً في الشؤون الاستراتيجية والأمنية.
في المؤتمر العاشر الحالي ساد الانشغال الإعلامي العربي بمشاركة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض وتقديمه كلمة من دون طعم ولا معنى  أمام الإسرائيليين في حين ما تزال القراءات العربية لمخرجات المؤتمر مبكرة.
ولعل من المفيد الانتباه إلى أن الجديد في أهم مؤتمر استراتيجي إسرائيلي هذا العام هو تكرار الأطروحات التقليدية التي تحكم الخطاب الدعائي الإسرائيلي منذ خمس سنوات على أقل تقدير والمتمثلة في المشروع النووي الإيراني، والتأكيد على أن مسار النمو الاستراتيجي يتواصل مع الزمن من دون وجود رادع دولي، وفيما كان نائب رئيس هيئة الأركان "بيني غينتس" لا يستبعد الخيار العسكري في مواجهة تعاظم القوة الإيرانية، وصف "غورني آراد" مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الشأن الإيراني بأنه يشهد جهوداً أكثر مما كان يمكن رؤيته بالعين موضحاً "أن السنة الحالية تشهد إقناع إيران بلطف".
أثناء انعقاد هذا المؤتمر وما يحمله من تناقض بين  أزمة استراتيجية واضحة في تحديد مصادر التهديد أو استراتيجية جديدة في التضليل تواصلت التدريبات والمناورات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي مع تتابع تسريب إشارات متناقضة حول الحرب المقبلة في كل إشارة لها جبهة جديدة ومصدر تهديد مختلف.
يبدو ذلك واضحاً بمراجعة سريعة لمسلسل التصريحات الإسرائيلية خلال ثلاثة أسابيع، على سبيل المثال وصف رئيس أركان الجيش غابي اشكنازي الوضع على الحدود الجنوبية بالهش ما يحمل إشارة إلى احتمال اندلاع عمليات عسكرية باتجاه غزة، فيما حذر جنوده إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تصعيداً عبر الحدود مع الجيران من دون تحديدهم وعلى كل الجبهات، في المقابل سبق نائب رئيس الأركان في وصفه لجردة الحسابات الأمنية لعام 2009 التحذير من تطوير قوة حزب الله في عمق لبنان حيث وصف هذا التطور بأنه "تحد جوهري نعرف كيف  نواجهه" وهو ما عاد مؤتمر هرتسليا التأكيد عليه متهماً الدولة اللبنانية بالتقصير بمسؤوليتها المباشرة في حال اندلاع مواجهات في الشمال.
يقدم مؤتمر هرتسليا صورة مقربة عن الأزمة الاستراتيجية المتمثلة في محدودية الخيارات الداخلية وحالة من عدم الثقة والوضوح الاستراتيجي، وهي انعكاسات تراكمت منذ حرب تموز  2006 مروراً بالحرب على غزة وصولاً إلى الإرباك في التعامل مع تقرير لجنة غولدستون.
صحيح أن خلاصة الرؤية الاستراتيجية التي يخرج بها هذا المؤتمر في كل عام تصل إلى حقيقة إسرائيلية مفادها "الأمن فوق كل شيء" لكن كل ذلك لا يمنع أن تكون هذه الرؤية أحد عناصر التضليل التي تلجا إليها إسرائيل كلما أرادت إعادة خلط الأوراق فيما تدرك أن التاريخ لا يعمل لصالحها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد