إعادة اكتشاف قوة الدولة تتطلب اليوم رؤية جديدة تُعنى بإعادة تعريف الإدارة العامة في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية، وفي ظل التوقعات القاتمة وما ترتبه من تداعيات التنافس الشرس والتهديدات القائمة والمنتظرة مقابل الفرص المتاحة والمتوقعة، تتطلب هذه الرؤية إعادة تعريف علاقة القطاع العام مع القطاع الخاص ومنح جرعة من القوة لمنظومة فاعلة وجادة من إجراءات النزاهة واجتثاث مصادر الفساد.
القوة الحقيقية للقطاع الخاص في المدى البعيد تكمن في قوة الدولة، وهذه تحتاج إلى ديناميكية خلاقة وسرعة في انجاز التشريعات والقدرة على الإحلال المؤسسي أي قيام مؤسسة جديدة على إرث أخرى، لا ان تفقد مؤسسة ما وظيفتها ومهامها وتبقى تدور في الفراغ عشر سنوات حتى يتم إصدار قانون بإلغائها، والأهم من ذلك إعادة تعريف الفساد وطرق التعامل معه في القطاعين العام والخاص.
للأردن مصلحة حقيقية في الانفتاح على الاقتصاد العالمي والاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة أكثر من غيره، وتكاد تكون هذه الرؤية الأكثر ملاءمة لظروف الأردن ولمتطلبات إدارة الندرة في الموارد، ولقد حان الوقت في ظل ما يشهده العالم من مراجعات اقتصادية؛ للتوقف عن الجدل حول الأطر الفلسفية للنموذج بقدر ما يتطلب الأمر مراجعة آليات عمله ومراجعة ما مر به من مناهج، أي بناء نقد اجتماعي وسياسي بناء ونافع يحمل معنى إصلاحيا يعمق رؤية واضحة للمصالح الوطنية، بعد كل هذا المسير المتعب في الحلقة المفرغة.
هذا النقد يجب أن يبحث عن اعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد والاقتصاد الاجتماعي والتنمية بشكل عام. ويتطلب ان يقدم اجابات عن الظروف والقوى التي حرفت مسار الادارة العامة وافرغتها من ادوارها، وحولتها الى ما يشبه كومة من القش كلما ازداد حجمها قل وزنها.
الإدارة العامة هي التي اسست الدولة والأخيرة كان لها اليد الطولى في تكوين هذا المجتمع، والسوق أحد عناصره، وستبقى كل منجزات الدولة بما فيها السوق في مهب الريح تحركها الطوارئ من حولها أكثر من إرادة مواطنيها، اذا تمدد أحد هذه العناصر فوق العناصر الأخرى.
الطموح بالعبور الاقتصادي يعد اليوم السمة البارزة للاقتصادات الصغيرة في العالم، وإذا كانت هذه السمة تجعل العديد من الدول تقع في شرك الاندماج السريع ومحاكاة النموذج النظري غير الموجود واقعيا، فإن الحقيقة التي لا بد منها تتأكد بالحاجة الى النموذج المستقل في التنمية والاندماج معا، أي النموذج الذي يبدع أفكاره وسياساته حسب حاجاته وقدراته، وفق منظوري الاقتصاد السياسي والسياسات الاجتماعية.
وبهذا تنطلق أدوار الدولة في الرعاية الاجتماعية والتنظيم والتنمية والأمن باعتبار الأخير هو نتيجة الادوار الاخرى وليس بديلا منها او متقدما عليها.
الدولة الناضجة لا تكتفي بدور المتفرج ووظيفة حماية السوق وحدها، لنأخذ على سبيل المثال سياسة الدعم ببعدها الاجتماعي والتي آن الوقت ان تقوم على اساس فهم جديد يرتبط بدور الدولة كضامن للأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي؛ فسياسة الدعم هي في المحصلة ضمانة سياسية واجتماعية ولا توجد دولة في العالم لا تقدم الدعم ولكن السؤال كيف، وهنا تكمن الاجابة في أزمة الإدارة العامة وعلاقتها بتمدد قيم السوق وقواها الفاعلة على مساحات ليست لهم، اي سرقة الإدارة العامة، ما جعل مفهوم الأمن المطلق يحتل مكان الأمن الاجتماعي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد