يحسب للحكومة إقدامها من خلال مؤسسة تشجيع الاستثمار على طرح سلسلة من المشاريع الاستثمارية المقترحة أمام القطاع الخاص لتنفذ في محافظات جنوب المملكة؛ الكرك والطفيلة ومعان، وهي المرة الأولى التي تبادر فيها المؤسسات العامة لطرح خرائط إرشادية للمستثمرين في هذه المحافظات، الأمر الذي يدفعنا نحو التأكيد على الأخذ بيد هذه التجربة وتحويلها إلى تقليد دوري بعد مراجعة هذه الخريطة والتخلص من بعض ملامح الضعف والأفكار التقليدية التي حكمتها.
المحافظات التي استهدفتها الخريطة الاستثمارية يسكنها نحو نصف مليون نسمة بينما تمتد هذه المحافظات الثلاث على أكثر من نصف مساحة المملكة، وبالتالي تعاني من معادلة مختلة بين الندرة والوفرة، حيث توجد في هذه المحافظات معظم الموارد الوطنية الاستراتجية المتمثلة بالموارد الاستخراجية مثل الفوسفات والبوتاس وعشرات الأنواع من الخامات التعدينية وآخرها تعدين اليورانيوم، كذلك الموارد التاريخية والسياحية وأهمها على الإطلاق مدينة البتراء الأثرية إلى جانب الموارد الحيوية والاستراتيجية المتمثلة في المياه واتساع الرقعة الجغرافية والتنوع البيئي والموقع وغيرها، مقارنة مع تواضع مؤشرات نوعية الحياة للمجتمعات المحلية وضعف البنى التحتية وعدم وجودها أحيانا، ما يعني بديهيا أن تبنى أي خطة استرشادية أو أي محاولة للترويج لفرص استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال على تلك الحقائق.
الحقيقة الأخرى التي كان من الأحرى أخذها بالاعتبار عند وضع هذه الخريطة تتعلق بأن هذه المحافظات سوف تشهد معظم المشاريع الاستراتيجية العملاقة التي بدأ تنفيذ بعضها، وأخرى التي يخطط لها مثل مشاريع نقل وجرمياه الديسي إلى عمان ومشروع ناقل البحرين ومشاريع الطاقة الكبرى ومشاريع السكك الحديدية والموانئ البحرية والبرية ومشاريع الاستخراج والتعدين والمشاريع السياحية وغيرها.
هذه المشاريع العملاقة من المفترض أنها ستحتاج إلى استثمارات متوسطة وصغيرة مرافقة لتلبية الاحتياجات والفرص الجديدة التي تولدها عادة الاستثمارات العملاقة، وهذا ما يجب ان تلتفت اليه الخرائط الاستثمارية بجدية وان تروج له، كما ان المجتمعات المحلية في هذه المحافظات بقيت على مدى أجيال ترى مواردها المحلية تكدس في مناطق أخرى ولا تشهد تحولات ملموسة في محيطها، بينما يزداد وقع الفجوة التنموية وتأثيرها في الحياة اليومية للناس وتطورها لتأخذ أبعادا اجتماعية وأمنية.
في الوقت الذي نشهد فيه استمرار التدهور في المؤشرات العامة حيث تشهد تلك المحافظات أعلى نسب الفقر وأعلى نسب البطالة في المملكة، ولما كانت مشكلة الفقر تكمن في العمل في معظم الأوقات فان إعادة اكتشاف الفرص الاستثمارية في بيئات غنية بالموارد تحتاج إلى حكمة وحلول إبداعية تواجه السؤال المقلق الذي جعل المحافظات الثلاث الأعلى نسبا بالبطالة (21 % في معان، 18 % الكرك، و17 % الطفيلة)، حسب الأرقام الرسمية مقارنة بمعدل البطالة الوطني البالغ 12 %.
الخرائط الاستثمارية التي يفترض ان توجه لمجتمع الأعمال لتجذبه نحو بيئات مثل جنوب الأردن تحتاج المزيد من الرؤى المبدعة، وان لا تتوقف عند مشاريع تقليدية مثل تجفيف الفواكه وإنتاج الطوب والقرميد والصابون البلدي، بل إلى أفكار وفرص جديدة وجاذبة وجادة تعمل على محوري الوفرة والندرة من خلال الانتقال نحو ضمان الشرعية المجتمعية للتنمية بالمشاركة التي لا تتوقف عند توفير الخدمات بل توفير فرص حقيقية للمشاركة الإنتاجية من قبل المجتمعات المحلية والانتقال نحو التنمية التكاملية التي تفتح قنوات لحركة سكانية بين أقاليم البلاد.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد