في أجواء قمة الأمن النووي التي تستضيفها واشنطن هذه الأيام والتي غاب عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة، نحتاج أردنياً إلى مراجعة خطابنا السياسي الموجه إلى العالم حيال قضايا الأمن النووي الوطني في مسألتين مركزيتين؛ الأولى الحاجة إلى وضوح سياسي أردني حول التهديدات التي تشكلها المفاعلات النووية الإسرائيلية المتداعية في صحراء النقب على الحياة والبيئة والسلام، والمسألة الثانية حول مستقبل أمن المشروع النووي الأردني.
توفر الأجواء السياسية السائدة في العالم وما ينتظرها من تطورات مع توقيع اتفاقية (ستارت) بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي والاستراتيجية الأميركية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي فرصة مواتية لتطوير خطاب عربي بشكل عام، وخطاب سياسي أردني بشكل خاص ينسجم مع التوجهات العالمية في منع انتشار الأسلحة النووية، وزيادة الضمانات الخاصة بالأمن النووي العالمي، وهو ما يعني عملياً الكف عن الصمت على استراتيجية الغموض النووي الإسرائيلي والانتقال على أقل تقدير نحو المطالبة بضمانات جادة للأمن النووي على البيئة والإنسان والحياة والسلام.
فإذا كانت الترسانة النووية الإسرائيلية قادرة على إبادة نصف الكرة الأرضية وليس العرب وحدهم، فان خطر التلوث الإشعاعي النووي من المفاعلات الإسرائيلية المتهالكة أصبح أكثر تهديداً بعد الأنباء والتسريبات التي توالت منذ حوالي عشرين عاماً عن تآكل مفاعلات النقب التي تجاوزت عمرها الافتراضي، ومعلومات أخرى تحدثت عن إهمال ونفايات نووية تلقى في وسط الصحراء.
ومع الأخذ بعين الاعتبار الأطروحة التي رددها مسؤولون أردنيون ومصريون في وقت سابق حول اختلاق إسرائيل لإشاعات حول ضعف ضماناتها الأمنية لمفاعل ديمونا، بهدف الضغط على العالم للحصول على مساعدات هائلة لإعادة تجديد المفاعل، فإن تطوير خطاب يدعو لإغلاق مفاعل ديمونا يُعد النقطة المركزية نحو بداية نهاية سياسة الغموض النووي الإسرائيلي وتحقيق حد معقول من الضمانات الأمنية، فمفاعل ديمونا لا يبعد سوى (40) كم عن عشرات القرى والبلدات المأهولة في الجنوب.
في المسألة الثانية هناك شبه قناعة أن المشروع النووي الأردني الذي يتمتع بأعلى درجات الوضوح في أهدافه السلمية لن يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية مثلما حدث مع العراق وسورية، لا سيما وأن الأردن قد التزم منذ البداية، وأنه لن يقوم بتخصيب اليورانيوم محلياً، بل طلب من شركة فرنسية أن تقوم بذلك، ولكن هل تكفي هذه الضمانات لحماية امن هذا المشروع الاستراتيجي الذي من المنتظر أن يحصد حصة كبيرة من رصيد الأجيال من الثروات، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذا المشروع الكبير سيدخل الأردن بعد سنوات في منافسة إقليمية واسعة حينما يصبح الأردن المصدر الأغنى للطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي وقّع فيه الأردن اتفاقيات تعاون واسعة مع كل من فرنسا والصين وكوريا الجنوبية وكندا وروسيا وبريطانيا، بالإضافة إلى اتفاقيات مع دول أخرى لتدريب الكوادر الأردنية على استخدام التقنيات النووية لأغراض سلمية، إلا أن جهات إقليمية ودولية وبالتزامن مع الخطوات المتسارعة في المشروع النووي الأردني، أخذت بنشر دعاية مضادة للمشروع نجد لها صدى غير مسؤول في بعض وسائل الإعلام المحلية تتحدث عن تحديات وصعوبات تواجه المشروع الأردني، وبعضها يتحدث عن ضعف الضمانات الأمنية للمشروع إلى جانب الاستثمارات الضخمة التي يتطلبها بناء المفاعلات ونقص المياه اللازمة للتبريد إلى جانب البيئة السياسية المضطربة في الشرق الأوسط.
في المسألتين السابقتين نحتاج إلى خطاب سياسي واقعي جديد يقوم على الوضوح الاستراتيجي والدبلوماسية الوقائية الأكثر جرأة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد