رغم أن هذه الانتخابات، كما قلنا سابقا، ستشهد تراجع البعد السياسي بصورة تفوق كل انتخابات سابقة فهذا لا يعني انها ستكون أقلّ سخونة، فالمنافسة على التصدّر تستعر وتتسع لكثيرين لم يكن الهمّ العام على اجندتهم ابدا. والحاصل ان الترشيح النوعي يتدنّى مقابل الترشيح الكمّي وقد يزيد عدد المرشحين هذه المرّة بنسبة ملموسة عن عدد المرشحين للانتخابات الماضية.
وبحسب ما نلاحظه حتى الآن فإن الإجماعات العشائرية التي تقلّص عدد المرشحين محدودة للغاية واحيانا يتمّ التنكر لنتائجها بل رأينا الأب وابنه والأخ وأخاه ينزلان إلى الترشيح من دون أن تكون هناك خلفية أو ولاء سياسي مختلف، بل في غياب أية خلفية فكرية أو سياسية للمتنافسين، وهكذا فالانقسام لا يطال العشيرة فقط بل الفخذ والعائلة الواحدة، ولا يستطيع المتنافسون تقديم مبررات الا من نوع "أخذ دوره ويجب ان يترك الدور لغيره".
لا يمكن الجزم باستمرار ما ظهر وسيظهر من ترشيحات الا مع دفع الرسوم واغلاق باب الترشيح؛ لكن اذا استمرت الظاهرة الراهنة ولم تتحقق توافقات وانسحابات، فالتمزق الشديد سيحسم هذه الانتخابات. والأمر نفسه ينطبق على الكوتا النسائية، فما تحقق من نجاح بأصوات قليلة سيدفع المزيد من السيدات للترشح بما في ذلك داخل المناطق والعشائر التي نجحت في تقديم سيدة واحدة تستفيد من فرصة الكوتا. والنتيجة المحتملة لهذا التمزق تدنّي قوّة التمثيل للفائزين وربما يتكرر نجاح سيدات من الدوائر الصغيرة بنسبة ضئيلة جدا من الأصوات.
في الانتخابات الماضية مثّل الفائزون أكثر قليلا من ربع اصوات من مارسوا حق الانتخاب، ووفق المؤشرات السائدة حتّى الآن فإن هذه النسبة مرشحة للانخفاض، وليست بالظاهرة الإيجابية ابدا أن يكون ثلاثة ارباع الذين ادلوا بأصواتهم غير ممثلين، وهذا يفاقم ضعف مكانة المجلس النيابي في المجتمع. فالفائزون يمثلون قطاعا ضيقا ويهتمّون بخدمة قاعدتهم الانتخابية الخاصّة على صعوبة ارضاء وتلبية مطالب هذه القاعدة.
المؤشرات السلبية للنظام الانتخابي الحالي تتفاقم اذن ونلاحظ استنكاف الكفاءات والفعاليات المعروفة على المستوى الوطني، مع استثناءات محدودة في بعض الدوائر بينها رموز المجلس السابق اضافة طبعا لمرشحي جبهة العمل الاسلامي.
ملامح المسار الانتخابي حتّى الآن تؤكّد كم كانت الحاجة ملحة للتغيير. ان ضعف القاعدة التمثيلية ومعالجة التمزق يعالج بوجود انتخابات أولية بين العدد الكبير من المتنافسين لفرز اعلى المرشحين الذين يتنافسون في دورة ثانية، وهذه العملية تتم من خلال الاحزاب في اوروبا أو بمشاركة الجمهور في انتخابات غير رسمية للمتنافسين لحساب الحزب الواحد، كما في الولايات المتحدّة، وكان يمكن أن تتم عندنا في غياب المؤسسات الحزبية الكبرى من خلال القانون نفسه (على الطريقة الفرنسية) لكن القرار حسم لصالح عدم مسّ القانون بما في ذلك عدم مسّ الكوتا النسائية، مع انها كانت تحتاج الى تعديل طفيف مثل توزيعها بمعدّل مقعد لكل محافظة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري