تحافظ الصين على موقف طيب تجاه القضايا العربية رغم تواضع تأثيرها السياسي في المنطقة. ولا يترافق النمو الهائل في الاقتصاد الصيني ومكانته العالمية مع نمو مماثل للدور السياسي، وهو أمر يبدو مقصودا بصورة ما في هذه المرحلة التي تركز فيها الصين على التوسع الاقتصادي بأقلّ قدر من الاحتكاك السياسي، وهي حين تعارض مواقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن فانها قلّما تمضي بعيدا في تحدّيها أو استخدام سلاح الفيتو في وجهها.
في زيارته للصين عبّر جلالة الملك عن الرغبة القويّة في رؤية دور صيني أكبر في المنطقة وأشاد بمواقف الصين معتبرا اياها وسيطا نزيها ومؤكدا على المصداقية والثقة والاحترام الذي تحظى به لدى شعوب المنطقة. وزيارة الملك تتوج خطوات سابقة لتعزيز العلاقات الثنائية في اطار توجه استراتيجي يشمل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدفاعية. وقد تم اثناء الزيارة التي شارك فيها عدد من الوزراء ورئيس هيئة الأركان وقادة عسكريون توقيع سلسلة من الاتفاقيات، كما سيتم على الارجح توقيع اتفاقيات بين ممثلي القطاع الخاص في البلدين.
لا يمكن لتفكير طليعي ان يتجاهل الصين وهي القوّة الصاعدة العظمى لمقبل الأيام، حتى أن بعض المفكرين حسم الرأي بأن القرن الحالي سيكون القرن الصيني. ومنذ تحول الصين الى اقتصاد السوق فإنّ النمو الاقتصادي يحقق مستويات لا نظير لها في العالم، تتسم بعدم الانقطاع بمعدّل لا يقلّ عن 9%. والصادرات الصينية من السلع الاستهلاكية الصغيرة تغزو العالم منذ زمن لكنها تتوسع الى جميع المستويات من الكومبيوترات الى الآليات الثقيلة والسيارات، مرورا بصناعة الملابس والنسيج التي سيطر عليها الصينيون بصورة شبه كاملة.
بصورة معاكسة ايضا فإن الصين سوق استهلاكي تحقق نفوذا دوليا هائلا. فالانفتاح الصيني وارتفاع مستوى المعيشة وبوجود مليار وربع المليار من البشر يجعلها اعظم سوق استهلاكي في التاريخ تتجه له انظار كل الشركات والمؤسسات. فالصين اليوم تستهلك 40 %‏ من سوق الاسمنت في العالم، ‏25 %‏ من الصلب والالومنيوم، و33%‏ من الفحم والحديد الخام‏، وهي قبلة كل الشركات الكبرى لفتح فروع ومصانع فيها حيث تنتج عبر وكالات محلية كل الماركات العالمية.
إن وجود أيد عاملة رخيصة للغاية، وفي الوقت نفسه عالية الانضباط والانتاجية، يؤهل الصين لمنافسة بعيدة المدى يستحيل التغلب عليها، وقد انتقل اكثر من 300 مليون انسان في أكبر هجرة يشهدها التاريخ من الأرياف الى المدن للعمل في الصناعات الناشئة والادارة والخدمات، ولن يمرّ وقت طويل قبل ان تصبح الصين أكبر سوق للاستهلاك والتصدير في العالم.
ميزة القوة العظمى الصينية القادمة انها من دون ارث استعماري تنتمي تاريخيا الى العالم الثالث، وستلعب دورا في كسر الهيمنة والنفوذ الغربي أو الأميركي تحديدا، واعادة ترسيم العلاقات الدولية على قواعد جديدة، وهذا لن يحدث بالطبع دفعة واحدة، لكنه اتجاه واضح ومحسوم للمستقبل.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري