"هل الأنوثة ابتلاء والذكورة اصطفاء؟ كيف يقولون أن جنس الرجال أفضل من جنس النساء؟!
ألا تتحمل المرأة مسؤولية بناء المجتمع، فكيف نجعل الأفضلية للرجل؟
ولماذا هذه المبالغة في حق الزوج على حساب الزوجة؟ لِم يحق له أن يمنعها من زيارة أهلها ويحبسها في البيت بل ويؤدبها بالضرب؟! وبالسوط على ألا يزيد على عشرة!!
ثم تقولون أن الإسلام أنصف المرأة فأين مكانتها إذاً بعد كل هذا؟"
قرأتُ الرسالة.. وحمدتُ الله جل وعلا أن هداني للرضا وألزمني كلمة التقوى وألقى في قلبي إيماناً راسخاً بعدله ورحمته.. ثم بدأت بكتابة الرد مع أني كنتُ على يقين أن المسألة لن تُحَلّ برسالة واحدة فالأمر يستدعي مقالات طويلة وجلسات حوار لإزالة هذه الإشكالات ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترَك جلّه.. وحاولت أن أحيط ببعض الزوايا لعله يكون فيها الخير والنفع إن شاء الله جل وعلا..
حقيقة ساءني ما شعرتُ من أنّ الإسلام يؤتى من موضوع المرأة أكثر من غيره.. وللأسف تركن إلى هذه الفتن نساء المسلمين قبل غيرهنّ لبُعدٍ عن الدين وانجرار وراء إعلامٍ فاسد وغزوٍ فكري غربيّ وضعف نفس وزهو أنوثة..
والمشكلة أن أغلب النساء يخلطن بين الشرع الحنيف الذي شرعه الله جل وعلا وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير الذي يدبّر الأمر.. وبين ممارسات المنتسبين للإسلام فشتان بين هذا وذاك..
فحين شرع الله جل وعلا لنا الإسلام وفصّله لنا إكراماً منه وتفضّلا لم يترك شيئاً من أمور الحياة إلا وبيّنها لنكون على هدىً من أمرنا وكل ما فرضه وسنّه فيه الخير للبشر.. فالشرع المنزّل كامل لأنه من لدن الله جل وعلا أما تطبيق هذا الشرع –منا معشر المسلمين- فهنا مكمن المشكلة بل والكوارث!
وأقولها بكل حرقة: بات الناس يأخذون ما يناسبهم من الدِّين ويتركون ما يكلّفهم العناء وتستثقله نفوسهم.. ولذلك يجب أن نعي تماماً أن تطبيقات البشر قد تكون مخالِفة لتعاليم الدِّين فلا يجب أن نُسقِط هذه التصرفات على الدِّين فنظلمه..
وحتى العلماء ليسوا بمعصومين عن الخطأ مع أننا نُجِلّهم ونحترمهم جميعاً للعلم الذي يحملون والدعوة التي ينشرون.. ولكن يبقى أن الحق لا يُعرَف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله!
وقد يحدث أن نفهم معنىً ما من عالمٍ جليل على غير مقصده وبذلك يختلّ الميزان عندنا وتغبش الرؤية..
إنّ الله عز وجل خلق الرجل والمرأة ولم يفضِّل جنساً معيّناً وإلا لكان قد ظلم الجنس الآخر وحاشى لله أن يظلم وهو العدل جل وعلا.. يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".. فالتفضيل لا يكون بالذكورة أو الأنوثة وإنما بتقوى الله جل وعلا..
فالمرأة مخلوق كالرجل ولها حقوق وعليها واجبات مثله تماماً.. "وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".. و "أن النساء شقائق الرجال"..
إلاّ أن للرجل ميزة فهو قوّام على المرأة وقد خصّه الله جل وعلا بهذه القوامية ليكون "المدير" إن صح التعبير في مؤسسة الزواج.. أو "الأمير" في البيت لأنه لا بد أن يكون هناك ربّان واحد للسفينة ليبتّ في القرارات طبعاً دون إغفال استشارة المرأة.. يقول الله عز وجل "وللرجال عليهنّ درجة" بسبب هذه القوامية والتي هي بمثابة تكليف وليس تشريفاً أبداً.. فحين لا يكون الرجل رجلاً بمعنى الكلمة ولا يقوم بمسؤولياته كاملة من نفقة ورعاية وإدارة تسقط هذه القوامية! يقول الحق جل وعلا: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"..
وقد فصّل بعض العلماء أن في تفضيل الرجل على المرأة أسباب ثلاث هي: "كمال العقل والتمييز، كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم وبذله المال من الصداق والنفقة"..
فالمرأة تحيض وعاطفتها تغلب عقلها ولا تُكلَّف بالإمامة والجهاد والجُمَع ولا تكون نبيّة وما إلى ذلك من الأمور التي انفرد فيها الرجل.. وقد يكون الرجل أفضل من المرأة من جهة بنيانه الفيزيولوجي والنفسي وأنه –على الأغلب- أقوى وأقدر على تحمل المشاق والمهمات الصعبة.. ويكفي أنها خُلِقَت منه فهو الأصل إذ قال الله جل وعلا: "وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا"..
وقد قال الشاعر: "وما التأنيث لاسم الشمس عيب.. ولا التذكير فخرٌ للهلال".. وفرعون كان رجلاً! فهل أغنى عنه ذلك من الله شيئاً؟ فقد كان بئس الرجل الذي أضلّ قومه وكان سبباً في عذابهم في الدنيا والآخرة.. ونِعم المرأة آسية.. وبلقيس ملكة سبأ وخديجة وفاطمة ومريم وأم موسى.. عليهنّ جميعاً رضوان الله تعالى..
ولقد سمّى الله جل وعلا سورة طويلة كاملة باسم سورة "النساء" وفصَّل فيها شؤونهنّ وأمورهنّ؟! أوليس هذا إكراماً لهنّ وخصوصية دوناً عن الرجال؟
أما منع المرأة من زيارة أهلها فلا يجوز له ذلك شرعاً –إلا أن يكون فيه ضرر- لأنها مكلّفة ببرّ والِدَيها وصِلة الرحم توجِب أن تزورهما.. فإن فعل ومنعها فعليها تنبيهه وحواره بالحسنى فإن لم ينته وبقي مصِراً على موقفه فلها أن تذهب إليهما من دون علمه ما يكفيها المؤونة وإن لم تستطع لِبُعْد المسافة وحاجتها إلى من يقلّها أو خوفها من أن تفسد الأمور بينها وبينه إن علم فيتحمل هو مسؤولية ذلك أمام الله جل وعلا وعليها طاعته محتسبة أمرها عند الله تعالى.. وهذا ليس انتقاصاً من كرامتها وإنما على العكس فإنها بذلك وبالرغم من ضيقها فهي تطيع الله جل وعلا في حسن تبعلها لزوجها فيبوء هو بالإثم وتنعم برضا الله جل وعلا..
أما مسألة الضرب فلا يحق للرجل "الصالح" ضربها إلا أن تكون ناشزاً أو عاصية فحينها يلجأ إلى عدة أمور قبل الضرب فيكون الوعظ والتذكير ثم الهجر ثم الضرب الخفيف ليكون كالكَي آخر العلاج .. على أن يكون بشيء كعود الأراك كما ذكر ابن عباس وبأي حال لا يكون السوط أبداً!!
وقد شدّد الحبيب عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع على مراعاة النساء: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"..
إذاً فليس من حقه أن يضربها إلا أن تأتي أمراً كبيراً ولا تنتصح ولا تستجب للتوجيه علّها تعود للجادة.. أفلا تقسو الأم على طفلها إن رأته مثلاً يقصِّر في حق الله جل وعلا أو يؤذي نفسه فإن لم ينصت لها ولم يسمع لتوجيهاتها وأصر على الذنب أفلا تؤدّبه؟! ووالله إن تأديب الزوج للمرأة الناشز بالضرب لأفضل ألف مرة من طلاقها وتشتيت العائلة وضياع الأولاد!
وأوصى عليه الصلاة والسلام بالرفق في كل شيء وهو قدوتنا فحريّ برجالنا أن يقتدوا به في كل أموره خاصة حياته الأسرية.. يقول عليه الصلاة والسلام "علام يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد ولعله يضاجعها من يومه" فاستنكر هذا الفعل الشنيع من ضربٍ مبرح للمرأة!
وقد سأله معاوية القشيري رضي الله عنه فقال: "يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟" قال عليه الصلاة والسلام: "ائت حرثك أنّى شئت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب".. وهذا غالب حاله صلوات ربي وسلامه عليه إذ كان يدعو إلى الرفق في كل شيء والرحمة!
ومكانة المرأة كزوجة في الإسلام نقتبسها في قراءة سيرته صلى الله عليه وسلّم والمقالات التي تتحدّث عن معاملته لنسائه ومراعاته لنفسياتهنّ وطرقه في نصحهنّ ولعبه معهنّ بأبي هو وأمي لنتعرّف بحق عن نموذج فريد لم يكن ولن يكون مثله صلى الله عليه وسلم.. فهو مَن نتعلم منه شرعنا ونقيس عليه..
وأنا على يقين أنه حين يصلح الرجال ويتقواالله في التعامل مع النساء ويكونوا فعلياً السكن لهنّ فلن نحتاج إلى التأديب.. أما وقد تاه الرحال والنساء عن الطريق الذي ارتضاه الله جل وعلا فستبقى الأصوات تعلو مطالِبَة بمساواة المرأة مع الرجل وبنسف قوامته وسلطته في الأسرة!
أما عن المحافظة على شعور المرأة فمما لا شك فيه أنه من الإسلام.. فالمحافظة على مشاعر الزوجين –المرأة والرجل- هو أساس في الدين لاستقرار الحياة الأُسريّة.. وقد حرص الحبيب عليه الصلاة والسلام على حسن العشرة بين الزوجين وشجّع الرجال على ذلك فقال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"..
حقيقة ليس هناك دين أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام ولم يوصِ نبيّ بالنساء كما أوصى بهنّ الحبيب عليه الصلاة والسلام وفي هذا المجال الآيات والأحاديث والقصص أكثر من أن تُحصى!
ولنكن صريحين يا معشر النساء.. المرأة بفطرتها تحب أن يكون لها سند ترمي بحملها عليه وتعتمد – بعد الله جل وعلا – عليه ليقوم بشؤونها ويحميها وتتدلل عليه ويستوعبها حين تضعف.. فلِم نكابر وندّعي القوة والاستقلالية ونعارض الفطرة؟!
لا أقول أن كل الرجال يستحقون أن يكونوا سنداً وأنهم جميعاً أفضل من النساء وإنما دعونا لا ننجرف وراء الغزو الفكري والإعلام المُغرِض والنفوس الضعيفة التي تريد للأسرة المسلمة أن تُنتَهَك ليضمنوا استمرار ضعف الأُمّة..
وأُنهي بآية جليلة من كتاب الله جل وعلا.. "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ، وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ، وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ، وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ، وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ، وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"
واللبيبُ!
المراجع
saaid.net
التصانيف
أدب مجتمع