تعبر مشكلة العزوبية (العنوسة) في أوساط الفتيات الأردنيات عن واحد من أهم مظاهر الاختلالات الاجتماعية- الاقتصادية المتنامية، وفي الوقت نفسه عن أحد أثمان التغير الاجتماعي والثقافي، إذ أشارت الدراسة التي نشرتها الأسبوع الماضي جمعية العفاف إلى تعاظم حجم هذه الظاهرة، حيث يوجد نحو مائة ألف فتاة دخلت هذه المرحلة وتجاوزت سن الثلاثين سنة من دون زواج.
إحدى أبرز نتائج هذه الظاهرة، التي تعيق قدرة الفتيات وذويهن على التكيف والتعايش مع الظروف المحيطة، هي مدى قبول المجتمع وتحديدا في المجتمعات المحلية الأكثر محافظة وتقليدية لحقيقة وجود فتاة في المنزل أو في العمل غير متزوجة، وما يترتب على ذلك من مشاعر الظلم الاجتماعي والحرج الذي قد يتحول لدى بعض الأفراد إلى الإحساس بالنقمة الاجتماعية.
هنا تبرز حقيقة الوصمة الاجتماعية، التي تُشعر أحيانا بعض الأفراد أو الجماعات بالدونية. هناك نوعان من الوصمة الاجتماعية؛ أحدهما يرتبط ببعض الأفعال المخلة أو بحادثة مثل وصمة السارق، الذي لا يستطيع الفرد التخلص منه حتى وان كف عن الفعل المخل، وهناك وصمة اجتماعية لأسباب خارج إرادة الأفراد. ولا تعبر تلك الأسباب في الحقيقة عن دونية أو انتقاص حقيقي كما يحدث في مجتمعاتنا نحو الفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج.
أصبح مفهوم (العنوسة) في المجتمع الأردني يعبر عن بعض دلالات الوصمة الاجتماعية الدونية؟ وهنا يبرز دور وسائل الإعلام في الإغراق في تثبيت هذه الوصمة أو تخليص المجتمع منها، ومساعدة المجتمع والأفراد على التكيف مع ظروف خارج إرادتهم تعبر عن اختلالات اجتماعية اقتصادية أو ربما محصلة طبيعية للتغير الثقافي في المكانة والدور الاجتماعي للفتاة، يبدو دور وسائل الإعلام في صوغ المفاهيم الجديدة أو إعادة تدوير مفاهيم أكثر حيادية وايجابية في وصف الظواهر وتحديد الوظائف والأدوار للأفراد.
وفي هذا المجال تبدو أهمية دعوة وسائل الإعلام المحلية لاستخدام مفهوم العزوبية بدلاً من مفهوم العنوسة الذي يحمل وصمة اجتماعية ذات دلالة سلبية، وتخليص اللغة الإعلامية الأكثر نفاذا من التمييز الجندري في واحد من المفاهيم الأكثر حساسية.
وسائل الإعلام قادرة على أن تحدث فرقا كبيرا إذا ما فعلت ذلك، على سبيل المثال ان نستخدم في صحيفة "الغد" مفهوم العزوبية للنساء والرجال على حد سواء، ووقف استخدام مفهوم العنوسة، وفتاة أو امرأة عزباء بدل امرأة أو فتاة عانس، وترسيخ ذلك في الأدلة التحريرية وأدلة أنماط اللغة (style book) من خلال توجيه الصحافيين والمحررين إلى استخدام هذه المفاهيم بدلا من تلك.
تملك وسائل الإعلام قدرة كبيرة على صوغ المفاهيم والدلالات اللغوية، كما هي قدرتها على التوليد اللغوي التي تتجاوز كل الوسائل التقليدية، والقدرة على صوغ المفاهيم تشبه صوغ العملة؛ في نفاذها وانتشارها السريع، لهذا تبرز قدرات وسائل الإعلام الفائقة في تشكيل معمار ومضامين اللغة الاجتماعية، كما هو الحال في المضمون السياسي والاقتصادي للغة المعاصرة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد