تحمل الخطوة الحكومية بتحديد موعد الانتخابات النيابية المقبلة في التاسع من تشرين الثاني، في ذكرى تفجيرات عمان، قيمة رمزية مكثفة، ودلالات سياسية أخرى، قد تشير وفق القراءة الثانية لتحولات منتظرة في المعادلات السياسية التي قادت البلاد خلال أكثر من نصف عقد في مناورة متبعة على خطوط التماس بين الحرب على الإرهاب ومشروع الديمقراطية المؤجل ومسار التسوية السياسية المعطل.
القيمة الرمزية للتاسع من تشرين الثاني تعكس القلق المتنامي وسط بعض دوائر صنع القرار وبعض النخب، على مصير العلاقة بين الدولة والمجتمع، والتآكل المستمر لها وسط الأزمات المتدحرجة التي تشهدها هذه العلاقة، فيما جسدت ليلة التاسع من تشرين الثاني العام 2005، بكل ما خلفته من كآبة وآلام وطنية لحظة فارقة في توحد الإرادة الوطنية، وهي لحظة تاريخية بالفعل كانت مؤهلة لإعادة إنتاج الوطنية الأردنية من جديد وتجديد صياغة العقد الاجتماعي في العلاقة بين الدولة والمجتمع.
المسارات السياسية والاستراتيجية التي قادت الأردن الرسمي خلال السنوات التالية، كانت قاسية بالمعنى السياسي ولم تكن سهلة بكل المعاني، بل حملت قيمة مضافة جديدة من الحساسية الاستراتيجية، وأرجعت من جديد الحاجة إلى المشي على خطوط النار الذي قاد نحو خيار التقدم في "الحرب على الإرهاب"، في صيغها الإقليمية والدولية، وخيار الترقب غير الفاعل نحو مسار التسوية السياسية. ووسط هذه الخيارات القاسية مرة والقسرية مرة أخرى، واصلت التحولات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية بالنخر في جسد الدولة وعلاقتها مع المجتمع.
لذا، يبدو أن توسيع قاعدة المشاركة السياسية وإعادة إنتاج النخب الحكومية ونخب الدولة، بمعايير أكثر ديمقراطية ونزاهة وكفاءة، ضرورة مصيرية للخروج من هذا المأزق، وهي أداة تم اختبارها في أماكن أخرى في العالم لصقل الشرعية وحماية الدولة، وقبل ذلك كله أداة أساسية للخروج من اختلالات التنمية حينما يتحمل الناس المسؤولية من خلال مشاركتهم السياسية، ويصبحون، بالفعل والممارسة، يملكون العيون والألسن القادرة على مراقبة مدى عدالة وكفاءة عمليات توزيع السلطة والثروة والقوة في المجتمع.
لا ندري هل يفكر الناس في الدوار الرابع بهذه الطريقة أم لا، لكن كل ما نعول عليه أن الرمزية التي يحملها يوم التاسع من تشرين الثاني تستعيد قوة الإرادة في التغيير بالمشاركة النزيهة التي تعيد الناس إلى دولتهم وتنهي أو على الأقل تحد من هذه الغربة التي نمّت خطى التهميش تارة وبيع الأحلام تارة أخرى.
أكبر قوة ساهمت في تشييد الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ إلى اليوم هي (الثقة)، أي أساس الرأسمال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لكل الحضارات العاقلة، التي أنجزت وبقيت حاضرة. في ليلة التاسع من تشرين الثاني قبل خمس سنوات تجاوز الناس كل ظروفهم وأنتجوا صورة راقية للثقة بين الدولة والمجتمع؛ السؤال اليوم هل نفعلها مرة أخرى في التاسع من تشرين الثاني المقبل؟.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد