محمد بن عبد الله البقمي
إنّ من حكمة الله تعالى التي أرادها –كوناً- لعباده، هو توافر دُعاة الفريقين، وقادة الحزبين، وإمدادُ الله لهم من فضله، وإسباغه عليهم من نعمه، لتكون السبُلُ جوادَّ مسلوكةً، والنّجادُ أراضٍ ممهّدةً؛ كما أخبر الله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 10] .
ولا يزال الصراع بين دعاة الخير ودعاة الشرّ إلى قيام السّاعة، وهذا معلومٌ لا يكاد يخفى، لكنّ الذي أرغبُ التّعريج عليه، والإشارة إليه؛ هو ما يراه المتابع لمستجدّات السّاحة الإعلامية "المتلاطمة" و "المتسارعة" والتي تكاد تطيش لها الأحلام، وتحار الأفهام.
فإنّ ممّا لا يغيب –أو لا ينبغي له أن يغيب- عن ذهن العاقل الحصيف؛ هو هذا التّلميع "الرخيص" لشخوصٍ استمرأت المحرّمات، وسوّغت المنكرات، وبرّرت المخالفات.
وهؤلاء يا سادة ليسوا بدْعاً من صنوف بعض "متفقّهة الإسلام" فقد تزبّب أقوامٌ لم يحصْرموا بعْد، وتصدّروا ولمّا يتأهَّلوا بعْد، فلقد بُليت أمّتنا بتسليط بنيها عليها، ونفاذ سهوم مقاتليها إلى خاصرتها، فكان مصداق قوله –صلى الله عليه وسلّم- (في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه) : "وألا يسلط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم" ..
فعندما تُخرج وسائل الإعلام "المشبوهة" (وهذا قيدٌ مهمّ) رمزاً يُمثّل في رأيهم "القاصر" علماء الشريعة، ليفري شرائع الإسلام، ويُحلّ الحرام، ويتنقّص رموز الأمّة، وعلماءها الصادقين، وأئمتها المصلحين، كم هو مضحكٌ (وشرّ البليّة ما يُضحك
) أن يخرج "فضيلة الشيخ" كلّ فترة ليطلّ علينا بهدم ثابتٍ من ثوابت الأمّة، ونقضِ حُكْمٍ من أحكام الشريعة..
وأصبح "الدَّاعية الدَّعيّ" كراقصة الجمهور التي كلّما ازداد تصفيق الجماهير لها، كلما أمعنت في خلع ملابسها، وهانحن نرى هذا "الصنف" من "متفقّهة التغريب" كلّما ازدادت حظوة الإعلام عنده، واقتربوا منه؛ كلّما تجرّأ على خلع ثوابت الشريعة، وأحكامها الغرَّاء.. |
أيْ "فضيلة الشيخ": لقد هدمت الفضيلة ! وأزْرَيت بالمشايخ | | أيُّ فضيلةٍ تلك التي تمتطيها لتتجاسرَ على الرذائل، مبيحاً لها، مهاجما لألوية الفضيلة وحُرّاسها، إن "صاحب الفضيلة" لا يهاجم الفضيلة –إن حقّاً كذلك- | | .
إنّ إنكارنا واستغرابنا لا ينسحب على مختارٍ لقولٍ مّا في مسألة خلافية (أقول هذا تنزُّلاً مع المخالف ولا أعني بالضرورة قوَّة الخلاف من عدمه في ذات المسألة) ، ولكنّه يتوجّه لذلك المخذول الذي تعمّد شرائع الإسلام بالهدم والتخريب، وعلماء الأمّة ورموزها الصادقين النّاصحين؛ بالانتقاص واللّمز والتشويه..
إنَّ أضواء الإعلام الحارقة لا ترحم ! ونشوتها قريبة المأخذ، حلوة الثمر، سريعة النّضج، لكنَّ ضريبتها (قد) تحرق دين المرْء، وتسلخ عبوديته لله، وتصنع منه شيطاناً ناطقاً –إن لم يكُنْ كذلك- ! لا يرعوي عن تبرير المنكرات (ولي مكتوبةٌ بعنوان "فتنة تبرير المنكرات" حول ذات القضية) ..
وهنا لي وقْفةٌ مع مؤسَّسات الإعلام الصحفية والفضائية "المأجورة"، التي قامت بصنع هذه الرموز الوهميّة، وتقديمها للنَّاس، تحت "ضغط الواقع" و "تكاثر الفتن" المرقِّقة لبعضها، فالأخرى منها تُنسينا الأولى – والله المستعان - ! بينما هي في الجهة المقابلة؛ تقوم على مسلسل "انتقاص الرموز الناصعة" ، واتّهامها بما هي منه براء، وإلصاق التُّهم الشنيعة بها، في حلقاتٍ مدروسة "متتابعة" ؛ كأنَّي بهم كما قال تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات 51] تقوم جميعها على عنصري:
الكذب الفاضح، والتّهويل المبالغ فيه.
فلا تريد تلك المؤسَّسات "العميلة" للنّاس أن يبقى في قلوبهم وهَجُ الرموز المضيئة العطَرة، ولا هم قدَّموا الرموز النّاصحة الأمينة، وعليه فأقول: أمَا وإنّ الحال بهذه المثابة المهينة، والحال المزرية، التي تعيشها "غالب" وسائل الإعلام في بلادنا.
فإنَّ الواجب الاستمساك بالوحي المنزِّل من ربِّ العالمين، وخُزَّانه المأمونين؛ من أهل صدق الدِّيانة والنصيحة لله ولرسوله، ثُمَّ إعلان النَّفير العام لمقارعة خصومنا بحُجج الشريعة البيَّنة، وغُرَر الأحكام النَّاصعة، جهاداً في سبيل الله، فهذا هو "الجهاد الكبير" كما أخبر الله في كتابه: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان 52].
والمقصود هُنا: الجهاد بالقرآن، كما قال أهل التأويل. قال الشيخ السعدي –رحمه الله- في تفسيره: "لا تبق من مجهودك في نصر الحق، وقمع الباطل إلا بذلته، ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت؛ فابذل جهدك واستفرغ وسعك، ولا تيأس من هدايتهم، ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم".
أسأل الله تعالى أن يهيّئ للأمّة أمر الرشاد، وأن يسلك بها سُبُل السداد، وأن يُجنّبنا طرق الغواية والفساد، إنَّه هو الكريم الجواد..
{{ثبت المراجع}}
المراجع
saaid.net
التصانيف
فتاوى عقيدة حديث الدّيانات
|