1 – الأبوان القدوة
الأبوان في البيت , يلتقط منهما الأطفال والأبناء أخلاقهما , فالطفل رادار يتحرك في البيت , ومن ثم كان التحذير النبوي في حديث عبد الله بن عامر , حينما قال لإمرأة مع طفلها : ما أردت أن تعطيه ؟ فقالت : تمراً فقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( إنك إن لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة ) .
ولذلك كان دور الوالدين القدوة عظيماً , ( كل مولود يولد على الفطرة ) , وهذا مشهد تكيه عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلي الله عليه وسلم : عن إمرأة أخذت تمرتين , فأعطتهما لابتين لها , وحرمت نفسها , فقال النبي صلي الله عليه وسلم : من ابتلي من هذه البنات بشئ فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) .
ومن ثم أثمر الوالدان القدوة خير الأجيال , هذا إبراهيم بن وكيع , يقول : كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى .
وهذا عبد الله بن طاووس يخبر عن أبيه طاووس بن كيسان اليماني -وهو أحد كبار تلامذة ابن عباس- قائلاً : كان أبي إذا سار إلى مكة سار شهراً وإذا رجع رجع في شهر , فقلت له في ذلك فقال بلغني أن الرجل إذا خرج في طاعة الله فهو في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله .
بل إن أروع الصور والشواهد تلك المنافسة وذلك السباق الذي حدث بين سعد بن خيثمة وابنه خيثمة على الجهاد في سبيل الله؛ ذلك أنه لما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين يوم بدر فأسرعوا قال خيثمة لابنه سعد : لو كان غير الجنة آثرتك به ، فاقترعا فخرج سهم سعد فخرج واستشهد ببدر واستشهد أبوه يوم أحد .
فالخلل في التربية يؤدي إلى الخلل في النتائج والثمرات , وقد انتبه الإسلام إلى هذه القضية الحساسة , روى ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رحم الله والداً أعان ولده على بره) , وخير إعانة أن يصبح الوالدان خير قدوة لأبنائهما .
2 – القدوة والناس
ولكي ينجح القدوة في تربية مؤثرة لدى الناس , حتى الذين لا يعرفهم , عليه بهذه الخطوات :
أولاً : التمسك بالإسلام وعدم الترخص , فربما يترك بعض الحلال , مخافة الوقوع في الحرام أو الشبهة .
ثانياً : الوضوح مع النفس , بتربية نفسه أولاً , وتهذيبها ومحاسبتها .
ثالثاً : الحذر من العادات والموروثات الاجتماعية والثقافية , التي تتعارض مع الشرع , سواء في المطهر أو الملبس أو الإسراف أو الاختلاط , فكل ذلك كفيل بقطع جاذبية الناس إليه أو الأخذ عنه .
3 - الدعاة القدوة
- هذا ما يؤكد عليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول : " من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تهذيبه لسيرته قبل تهذيبه بلسانه ، فمعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم "
- . وهل يجني الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون . . . ويعظون ولا يتعظون ويرشدون ولا يسترشدون إلا سخرية الناس وسخط ربهم ، يخسرون دينهم ودنياهم وذلك هو الخسران المبين .
- قال الشعبي : " يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم : ما أدخلكم النار ، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم ؟ فيقولون : إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله ".
- إن الواجب على الداعية أن يكون حريصاً على إصلاح سره كما يجب عليه أن يكون حريصاً على إصلاح جهره . . . عليه أن يكون صريحاً مع نفسه فلا يخادعها ، ومع المدعويين فلا يرائيهم ولا ينافقهم . . . .
- يقول ابن السماك في هذا المعنى : " كم من مذكر بالله ناس لله . . . وكم من مخوف بالله جريء على الله . . . وكم من مقرب إلى الله بعيد عن الله . . . وكم من داع إلى الله فار من الله . . . وكم من تال لكتاب الله منسلخ عن آيات الله ".
- فالداعية ينبغي أن يخشى الله لا المدعويين ، ويخلص له في سره وجهره ، فـلا يكون في ظاهره ملاكاً وفي باطنه شيطاناً ، وليحذر أن يكون ممن عناهم الله بقوله : يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ النساء : 108.
- و ليعلم أن الله قريب منه مطلع على سره ، خاصة في مجالسه مع المدعويين , قال الله تعالى : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ المجادلة : 7.
4- المعلمون القدوة
- هل يأتي المعلّم كمربٍّ في الدرجة الثانية بعد الأب والأم ؟
- وهل حقاً إن بعض المعلمين يفوق تأثيرهم تأثير الوالدين ؟
- وهل فعلاً يستحوذ بعض المعلمين على عقول وقلوب الطلاب ؟
وهذه خلاصة نصائح أنقلها لكم من الخبراء التربويين للمعلم القدوة :
1 - المعلم الذي يطعم درسه بكلمات التوجيه الصادق المخلص ، والمواعظ الأخلاقية الحسنة ، ويقدم خلاصة تجربته العملية النافعة , ويُري من نفسه النموذج الأصلح ، لا يحظى بالوقار والتبجيل فقط ، بل باتخاذه قدوة وأسوة أيضاً .
2 - والمعلّمة التي تأخذ بأيدي تلميذاتها من الفتيات المراهقات والشابات لتعبر بهنّ إلى شاطئ الأمان ، من خلال النصائح النابعة من القلب ، والفائضة حبّاً ورحمة وحناناً ، والتي تسلك في المدرسة والشارع سلوك المرأة العفيفة الرزينة ، هي أمّ ثانية ، وربّما نسيت بعض الفتيات جوانب من حياتهنّ مع أمّهاتهنّ اللاّئي ولدنهنّ ، لكنهنّ لن ينسين معلّمة قالت بصدق وعملت بصدق .
3 - الكثير من المعلمين والمعلمات ينجحون في طرق التدريس ، لكنّ هناك قلّة من المعلمين والمعلمات لا ينجحن كقدوة مؤثرة ، بل رحنا نصطدم بهذه القلة التي تقدم من نفسها نموذجاً سيِّئاً للمربّي الفاشل ، ولذا يجب على كل معلم ومعلمة الانتباه لدوره الخطير كقدوة للطلاب , ورسالته العظيمة في بناء الأجيال ..
5 - المتميزون القدوة
- النجاح في الحياة عنوان لكلّ عمل مميّز يتفوّق به صاحبه على غيره ، والإنسان بطبيعته يعشق النجاح والناجحين والتفوّق والتميّز , ومن ثم فإنهم قدوات , يقتدي بهم الناس خاصة الشباب والفتيات , في كل الميادين السياسية والرياضية والفنية والأدبية والثقافية والعلمية والإعلامية والعملية .
- وفن الاقتداء بهم يكون في مجال تميزهم وتفوقهم , وليس في كل مجالات حياتهم الخاصة أو الأسرية , إن لم تكن على نفس درجة التميز , ومن ثم وجب عليهم الانتباه الشديد كقدوات في مجالهم , أن يتميزوا في أخلاقهم وصلاحهم وتقواهم , حتي لا يكونوا سبباًً لغواية غيرهم .
- وهذا مصداق لقوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله , فبهداهم اقتده ) , فالاقتداء وفق هذه الآية يتجزأ , فيكون الاقتداء بهم في مجال تفوقهم فقط , في الادب أو الفن أو الرياضة أو السياسة , فالقدوة المطلقة هي أسوتنا بالرسول صلي الله عليه وسلم , أما غيره فلا .
- ومن واجبات القدوة الناجحة في الحياة بتفوقها وتميزها , ألا تسئ للمبدأ الذي تحمله شخصياتهم , لأن الناس لا تقول : ( فلان أخطأ , بل تقول : خطأ في المبدأ ) , خاصة إذا كانت من الشخصيات الإسلامية , لأن الناس يفترضون فيها أن تكون هي القدوة في حياتهم .
الخلاصة
كُنِ أنت القدوة
اصنع من نفسك قدوة لغيرك .
حاول أن تكون قدوة في أسرتك .
حاول جاهداً أن تكون قدوة في مجتمعك .
كن قدوة في عملك الذي أنت فيه .
لا تقل هناك قدوات صالحة غيري .
ما المانع في أن نتنافس في الخيرات كقدوات ؟ .
اجعل شعارك الدائم : (واجعلنا للمتّقين إماماً ) .
فما أعظم أن تكون قدوة للأكرمين : (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
لا تقل مازلت صغيراً أو مبتدئاً أو ضعيفاً أو قليل الشأن .
فالقدوة ليست بالسن أو بالثقافة أو بالتجربة أو بالفهم .
وإنما سرها في التأثير بها الذي أصبح الآن ممكناً وسهلاً .
فبوسع الجميع : شباباً وفتيات , رجالاً ونساءً .
أن يكون قدوة مؤثرة , وهذا أول مفاتيح التربية المؤثرة.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب مجتمع