أطل العنف الجماعي، حول الانتخابات، برأسه مبكرا، وسجلت مؤخرا أولى المشاجرات الجماعية تحت عناوين انتخابية. وعكس ما يتوقع، فليس بالضرورة أن المؤشرات الدالة على تراجع اهتمام العامة بالمشاركة الانتخابية، سوف تلجم التهور في إدارة التنافس والتعبيرعنه بالعنف. ومن المحتمل أننا سنجد أمثلة حادة في التعبيرعن هذه الظاهرة من الجماعات القرابية الأولية إلى العشائر وتحالفاتها، مرورا بالممارسات والتعبيرات الجهوية والمناطقية، وصولا إلى النخب بمختلف مرجعياتها ومستوياتها، والأخيرة -اي النخب- لطالما مارست دور عصا إبليس في ادارة الصراعات حول الانتخابات وتأجيجها.
ظاهرة العنف السياسي والاجتماعي حول الانتخابات ظاهرة عالمية تتكرر في كل مجتمعات الدنيا، ولدينا في الأردن ميراث تاريخي حول العنف الاجتماعي الذي دار حول الانتخابات، ويوجد لدينا تراث قضائي حافل حول هذه الظاهرة، والاكثر من ذلك انه يوجد لدينا تراث حافل وسوابق يستشهد بها في القضاء العشائري حول صراعات الانتخابات، تعود الى عقد الخمسينيات، تعد من سوابق هذه الممارسات القضائية التراثية.
ما سبق لا يعني التمهيد للقبول بموجة من المحتمل ان تداهمنا من العنف الجماعي حول الانتخابات، خلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة، بل العمل على تطوير منظور مختلف في التنظير حول هذه الظواهر الاجتماعية – السياسية بعيدا عن موجة التنظير التي وقعنا في حبائلها أثناء موجة العنف التي داهمتنا في العام الماضي، ولم يتوفر لنا لهذا الوقت قراءة موضوعية شافية حولها، ليس عند حدود تفسيرهذه الظاهرة، بل حتى وصفها، ذلك من جهة والأهم من جهة أخرى تطوير أدوات لإدارة هذا النمط من الأزمات المجتمعية بأبعادها السياسية والاقتصادية، لا تكتفي بالحلول الأمنية المؤقتة.
كل مبررات احتمال تراجع المشاركة الانتخابية، وبالتالي تراجع اهتمام المجتمع الأردني بالانتخابات المقبلة، لأسباب موضوعية معروفة، تعني على مستوى آخر مدخلات لخلق بيئة محتقنة لعنف جماعي محتمل. لقد كان من بين المحاولات التفسيرية لموجة عنف الصيف الماضي، العودة للخبرة الانتخابية على مستوى المجتمعات المحلية وما أوجدته من انشقاقات وما خلفته من احتقانات اجتماعية وخطوط جاهزة للتماس، تعود للظهور كلما نضجت ظروف جديدة وتعيد تحريك الراكد الاجتماعي والسياسي لدى الناس.
لكن هذه المرة، لا يبدو ان هذا المنظور وحده ينفع للوقوف على وصف الممارسات والتعبيرات التي ربما تأتي بها الانتخابات المقبلة، وسط حالة طوارئ اقتصادية – اجتماعية وحالة طوارىء سياسية أخرى. وكما تزيد هذه الظروف من حالة الهروب السلبي من الشأن العام، تزيد في الوقت نفسه من حالة "النزق الاجتماعي"، بمعنى أن الناس في هذا الوقت لا يحتملون مجرد الحديث في الشأن العام، ما يعني أن أسسا أخرى تتبلور لقواعد المنافسة الانتخابية، والتي على أساسها تتبلور خرائط وأشكال ممارسات وتعبيرات العنف، التي تبدو خطورتها في علاقة المجتمعات المحلية ببعضها بعضا، وفي علاقتها بالحكومات المحلية.
فالمجتمعات المحلية في طول البلاد وعرضها تحتاج أن تسمع كلاما وافعالا مختلفة، وأن تفرغ شحنة العزلة والتهميش، وتحتاج إلى الطمأنينة أيضاً، بأن البلاد رغم كل التحديات والصعوبات، الأفضل أحيانا بين الآخرين، وعلى قدر ما تحتاج هذه المجتمعات إلى مرجعيات جديدة وخطاب واثق وهادئ، فإن حاجة الدولة إلى ذلك أكثر في علاقتها مع مجتمعاتها المحلية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد