بعض المراقبين بقي يستبعدها خلال الأيام الماضية معتبرا انها اشاعة غير واقعية حتى جاء الخبر بأن 57 نائبا اجتمعوا أمس في نادي الملك حسين برئاسة م.عبد الهادي المجالي وشكّلوا كتلة واحدة، ستكون جزءا من "التيار الوطني الأردني"، وهو المشروع السياسي الذي يرعاه المجالي وآخرون كصيغة بديلة لمشاريع حزبية توحيدية سابقة لم يحالفها التوفيق.
هذه ستكون أكبر كتلة في تاريخ البرلمان. والأهمّ انها تمثل أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب، أي انها – نظريا- تستطيع تشكيل حكومة. مع ذلك يمكن حتى بهذا العدد التقليل من شأنها وفق ما نعرفه من واقع الكتل النيابية في مجالسنا النيابية، لولا أن هذه الكتلة - على غير ما هي الحال مع الكتل تقليديا- سترتبط بمشروع حزبي كبير.
بالطبع لم يكن في أي وقت لدى الحكومة مشكلة في توفير أغلبية نيابية. كان هناك دائما أغلبية حكومية لكن لم يكن هناك ابدا "حكومة أغلبية"، ليس هذا لعبٌ على الألفاظ، فالفارق على ما اعتقد مفهوم. الأغلبية الحكومية هي من مقتضيات الديكور الديمقراطي، أمّا "حكومة الأغلبية" فهي من أسس النظام الديمقراطي.
بالضرورة، لا يعني وجود حزب سياسي، يحظى بالأغلبية البرلمانية، تحقق شرط التداول السلمي على الحكومات. فحين قرر السادات انشاء الحزب الوطني الديمقراطي حصلت هجرة جماعية فورية اليه من حزب مصر (الحزب السابق للرئيس) حتى فرغ من الناس واختفى من الوجود. وكانت الخشية ان م. عبد الهادي المجالي يقصد نموذج "حزب الدولة" في سعيه الى مشروع الحزب الوطني الكبير، لذلك كان كثيرون ينظرون الى دعوته بعين الشك.
من جهتي سأقترح ما يبعث على الاطمئنان، فنمط "الحزب الحاكم" يخصّ الجمهوريات الرئاسية، كما نرى في اليمن وتونس ومصر، وليس هناك نماذج لملكيات من هذا الطراز. فالملك لا يحتاج الى حزب يخصّه اذ انه رمز الدولة ورأسها الدائم دستوريا، مهمّا تبدلت الأغلبيات والحكومات والأحزاب. واذا فهمت شيئا مما يقوله جلالة الملك، من حين لآخر في هذا المجال، فهو أنه لا يقبل فكرة الحزب الحاكم وأن يكون محسوبا لطرف سياسي، فهو فوق الأطراف، ولها جميعا، ويبقى على مسافة متساوية من مكونات الحراك السياسي الاجتماعي.
يجب عدم الخوف من المشروع والتوجس منه ورسم صورة لمؤامرة من ورائه. ففي الأردن لا تصلح فكرة ما يمكن أن يطلق عليه "حزب الدولة"، كما هي الحال مع الجمهوريات العربية سالفة الذكر. ووجود حزب يشكل أغلبية لن يجعله يتماهى مع الدولة، ويصبح واياها شيئا واحدا. فالدولة لا تحتاج هذا، وأعتقد أن الأردنيين لا يقبلونه.
المسافة بين أي حزب وبين الدولة ستبقى واضحة، وهذا ليس مستحيلا، حتّى لو قامت الحكومات على اساس حزبي، فهكذا هي حال الديمقراطيات عموما، والفصل سيبقى أيسر في ظلّ نظام ملكي راسخ ومستقر.
باستقراء المستقبل؛ ليس مرجحا أن يحصل حزب واحد على أغلبية مطلقة، وفي منطقة الوسط سيكون هناك أكثر من لاعب. أمّا فيما يتعلق بالنواب فيجب الاعتراف أن المجالي وحده بين الأقطاب المعروفين امتلك الرؤية والإرادة والقدرة على متابعة مشروع سياسي بهذا الحجم. ونحن نريد للمشروع أن يستفزّ المنافسة الايجابية عند الآخرين للبناء بموازاته وليس التخريب عليه ودسّ العصي في عجلاته.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري