تكمن مشكلة الفقر في الأردن في العمل، في مدى توفر العمل وفي نوعية العمل المتوفر، وفي مستوى الإنتاجية، حيث تكاد تتطابق مؤشرات الفقر مع مؤشرات البطالة ونوعية العمل.
فبالاضافة إلى أرقام البطالة التقليدية تنتشر البطالة المقنعة، التي تزدهر تحتها أشكال متعددة من الفقر المعلن والمقنع أيضا، بمعنى أننا بحاجة إلى منظور جديد لرؤية الفقر من خلال العمل والإنتاجية، والاستفادة من الادوات التقليدية والمعاصرة التي استخدمتها مجتمعات عديدة في تطوير العمل والإنتاجية اولا، وعلى رأسها الادوات الموجهة نحو الشباب الجديد؛ ومنها استخدام العمل التطوعي كأداة للحصول على العمل.
لقد طورت مجتمعات عديدة ممارسات متقدمة في مجال توظيف التطوع من أجل الحصول على العمل، وتطوير قدرات الشباب ونقل مهارات ومعارف جديدة لهم، وبالتالي محاصرة الفقر. وهناك تجارب تستحق التوقف عندها من الفلبين وفنزويلا ومن نيوزيلندا وحتى من اسرائيل وغيرها من دول أطلقت برامج مشتركة ساهمت فيها مؤسسات عامة مع القطاع الخاص لنشر ثقافة وممارسة التطوع وسط الشباب، من أجل نقل الخبرات والمهارات والحصول على العمل وتنمية الإنتاجية. بقيت حركة التطوع في المجتمع الأردني لوقت قريب غير مدروسة بشكل واضح ودقيق، حيث لا توجد مؤسسة عامة أو مستقلة ترعى الجهود التطوعية وتوثق لها، كما لا توجد مسوحات دورية أو غير دورية تتابع حركة التطوع وترصدها، ولا تشريعات متخصصة في هذا المجال؛ تنظم حركة المتطوعين وتحمي حقوقهم، فيما يسود شعور عام بتراجع حركة التطوع في المجتمع الأردني خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
كما أن العضوية في مؤسسات المجتمع المدني والأهلية، لا تدل على الفعالية التطوعية، وبالتالي الفعالية الاقتصادية. وبينما تقدر العضوية في مؤسسات المجتمع المدني بما فيها المؤسسات المهنية والنقابية بنحو سدس السكان، أي مليون نسمة، فإن العضوية في المؤسسات التطوعية المباشرة تقدر بنحو 120 ألفا، وهي أيضا لا تدل على عضوية فاعلة، ولا يمكن الاعتماد عليها لتقدير فعالية مؤسسات المجتمع المدني في العمل التطوعي، والدليل الواضح على هذا الأمر أنه لم تطرح برامج جادة وحقيقية لتوظيف قيم وثقافة التطوع من أجل العمل والإنتاجية، ولم نلمس شراكات حقيقية ذات كفاءة وفعالية بين القطاع العام والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص.
تتراجع حركة العمل التطوعي لدينا، وتتحول إلى جزء من الاستعراض الاجتماعي والسياسي والدعاية السطحية لبعض النخب والفئات، بينما يشهد العالم وفي جهات متعددة ثورة حقيقية بكل المقاييس في نمو العمل التطوعي وفي توظيفه من أجل الوصول إلى حلول لمشاكل العمل ونقل المعرفة والتنمية والتحديث والاندماج الاجتماعي والسياسي، فمنذ مطلع التسعينيات ازدهر هذا القطاع بشكل كبير، وغطى في العديد من الدول الفراغ الذي أحدثه انسحاب الدولة من أدوارها الاجتماعية. ولعل من المفيد الرجوع للمشروع الدراسي الكبير الذي نفذه مركز دراسات المجتمع المدني في جامعة جون هوبكنز في منتصف التسعينيات (مشروع القطاع غير الربحي المقارن)، الذي قدم أدوات علمية لحساب مساهمة كل من القطاع غير الربحي بشكل عام والقطاع التطوعي بشكل خاص، حيث اعتمد كمرجعية للتصنيف الدولي للمنظمات غير الربحية، وطور مقاييس لمساهمة القطاع غير الربحي في الحسابات القومية. وأهم نتائجه أن المساهمة العالمية لهذا القطاع في الناتج الإجمالي العالمي 5.6 % ومساهمة العمل التطوعي، أي غير المدفوع، وحده 2.3 % في 41 دولة تمت دراستها، جاءت أعلاها هولندا 15.9 % في القطاع غير الربحي وفي والقطاع التطوعي 5.8% ثم كندا 12.3 % والقطاع التطوعي منه 3.2 % وإسرائيل 11.4 % وبلجيكا 11 % وجاءت في الترتيب الأخير عالميا كل من رومانيا وبولندا والباكستان.
في الأردن، لا توجد أرقام دقيقة حول مساهمة هذا القطاع في الناتج الوطني الاجمالي، رغم وجود تراث هائل من خبرات العمل التطوعي غير المؤسسي، ولكن مساهمة هذا القطاع لا تكاد ترى بالعين المجردة، نحن بأمس الحاجة لتطوير برامج متخصصة لتنمية العمل التطوعي وسط الشباب من أجل الحصول على العمل ونقل المهارات وتنمية الإنتاجية الشبابية. محاصرة الفقر تبدأ من الحلول العملية وليس فقط بوصف الواقع والتنظير حوله.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد