قلنا أمس إن الأزمات تتدحرج إلى العام الجديد، لكن الحلول متوفرة لجعل العام الجديد أفضل، على الأقلّ للخروج من عنق الزجاجة وفتح آفاق لتجاوز الوضع المأساوي الذي يدفع الناس كلفته الباهظة، ويجب أن نقول بوضوح وبصراحة و"من الآخِر" ما هو القرار ومن المسؤول عنه.
في لبنان؛ يمكن الخروج من عنق الزجاجة بيوم واحد اذا قرر نصرالله وعون وبرّي الكفّ عن التعطيل والابتزاز؛ فرئيس الجمهورية التوافقي جاهز والمخارج الدستورية التوافقية جاهزة، وما تبقّى عبث وتلاعب لأسباب لا مصلحة للبلاد والعباد بها. والأطراف آنفة الذكر ستأخذ قرارها في يوم واحد إذا قررت سورية اعطاء الضوء الأخضر لهم، وسورية لن تفعل ذلك الا اذا قررت كل الأطراف العربية والدولية تحمير العين معها على هذه القضيّة بالذات وليس كما يفعل بوش الذي يقول ان صبره نفد مع الأسد بسبب لبنان وحماس والعراق فيخلط الأوراق ويضعف مشروعية القضيّة، فصبر العالم كله نفد مع بوش بالذات بسبب سياسته الرعناء في العراق وهو كسّر مجاذيف كل قوى الاعتدال العربي بسياسته في فلسطين.
في العراق؛ القرار أكثر تعقيدا ويتوزع فسيفسائيا على كل الأطراف بصورة تبعث على اليأس، ومع ذلك فالقرار المفتاح يبقى بيد الولايات المتحدّة لتغيير المسار وذلك بأن تقلب تحالفاتها فتدير الظهر لحلفاء ايران وتستعيد قوى الجيش القديم بالكامل لتفرض معادلة جديدة متوازنة ترهب جزّاري التطهير الطائفي من جهة، وتستأصل القاعدة في نفس الوقت، وقد ظهر بالملموس كيف تراجع نفوذ القاعدة والعنف الطائفي على يد مجالس الصحوة السنّية المسلحة.
في فلسطين؛ يبقى القرار، أولا وأخيرا، بيد الولايات المتحدة واسرائيل. ومن المفهوم سلفا أن الحلول النهائية غير واردة؛ فلا القيادة الاسرائيلية تقدر على تلبية ما يريده الفلسطينيون ولا القيادة الفلسطينية تقدر على التنازلات التي يريدها الاسرائيليون، لكن لو توفرت الارادة في اسرائيل فمنذ الغد يمكن تطبيع الأوضاع بوقف الاستفزاز والعدوان والتعذيب الذي يتعرض له الفلسطينيون.
من جهتها تستطيع حماس انهاء الانقسام الفلسطيني بقرار واحد، أي ان تخلي المقرّات والمؤسسات العامّة التي استولت عليها وتعيد تسليمها للسلطة الحكومية ليبدأ الحوار الوطني على الفور، وقد ثبت أن الحسم العسكري الدموي لبسط السلطة على القطاع كان قرارا غبيا، فما جدوى السيطرة على سجن من الداخل يبقيك تحت رحمة الاحتلال وابتزازه؟
صحيح أن مسار التاريخ هو محصّلة علاقة جدلية لسلسلة من العوامل المتداخلة لكن قرارات الأفراد في لحظةٍ ما كثيرا ما تحسم مصائر البلاد وحياة ملايين الأفراد.
لنفكر، مثلا، لو لم يقرر صدّام احتلال الكويت! أو لم يقرر بوش احتلال العراق! لا نستطيع في مطلع هذا العام الا ان نبتهل الى العليّ القدير أن يلهم اصحاب القرار الحكمة والصواب.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري