قد لا يكون شعار هذه الحكومة "التنمية والإصلاح السياسي"، لكنها تستطيع إصلاح الضرر جرّاء التمادي العرفي على الحقوق والحريّات. وقد ثمّن الكتّاب الصحافيون أمس في لقائهم مع رئيس الوزراء سحب مشروعي قانون الجمعيات الخيرية وقانون النقابات وكلاهما كان يمثل ردّة غير معقولة الى الوراء.
بل إن الرئيس بادر بالاشارة الى اعادة النظر في قانون الاجتماعات العامّة الذي كان قد عُدّل قبل سنوات قليلة في ظلّ الديمقراطية، ليصبح أسوأ مما كان عليه في أي وقت سابق، اذ ألزم أي جهة تريد عقد اجتماع الحصول على موافقة المحافظ المسبقة، فيما كان المطلوب سابقا فقط احاطة المحافظ علما بالاجتماع.
كان الاقتصاد بالطبع هو موضوع اللقاء المركزي، لكن الرئيس حرص على نفي مقولة أن هذه "حكومة اقتصاد" فقط، فالحكومة تتحمّل مسؤولية جميع الملفات، واستمع الى ملاحظات متعددة منها الانتقاد لقانون الانتخاب ولقانون المطبوعات والنشر، ووعد انها ستكون على الأجندة، لكنه طلب من الصحافيين الصبر اذ لا يمكن وضع كل شيء على الطاولة دفعة واحدة. وبالنسبة لتقرير المركز الوطني لحقوق الانسان حول الانتخابات وعد وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي، الأستاذ ناصر جودة، أن الحكومة ستدرسه وتعقّب عليه.
مساء أمس ايضا كان وزير التنمية السياسية يلتقي مندوبي الأحزاب السياسية. لكن الرهانات متواضعة للغاية بشأن ما تستطيع هذه الوزارة عمله، فبين يديها بضعة امور يجب أن تساهم فيها ايجابيا، مثل صياغة نظام ملائم للتمويل العام للأحزاب السياسية، وإحياء مشروع قانون منظمات المجتمع المدني؛ الذي جرت صياغته بمشاركة حكومية وأهلية واسعة في مقرّ هذه الوزارة بالذات وتحت رعايتها، لكن هذا المشروع الممتاز والمتطور وضع في الأدراج.
كما تستطيع الوزارة راهنا التدخل من أجل اقناع الحكومة والداخلية بإعادة النظر في الاجراءات التعجيزية المهينة لتكيف الأحزاب مع شرط الـ500 مؤسِّس، اذ يجب احضار 500 شهادة عدم محكومية و500 صورة مصدّقة عن هوية الأحوال المدنية! وهي اجراءات تضحك علينا أي مراقب خارجي، ولا أدري اذا كان لها مثيل في العالم، بينما ببساطة يمكن تقديم قائمة بالمؤسسين بأسمائهم الرباعية وأرقامهم الوطنية وتواقيعهم التي تتضمن اقرارا بأنهم كاملو الأهلية القانونية، كما يشترط القانون وتستطيع الداخلية التوثق من ذلك.
الأهم الآن (وقد تقرر رصد 5 ملايين دينار لهذه الغاية) وضع آلية وشروط تجعل التمويل العام للأحزاب خريطة طريق للتقدم بالحياة الحزبية وأداة تحفيز للتوحد في تيارات رئيسية تستقطب الأغلبية المستنكفة، كما تستقطب الشباب والنساء، وتتمتع بالديمقراطية الداخلية والشفافية، بعيدا عن التأثير والارتباطات الخارجية، ومؤهلة لتصبح قوى برلمانية في الانتخابات المقبلة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري