الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
تمهيد
في القرون الأخيرة سادت في العالم مذاهب مادية الحادية تنفي الأديان باسم العلم, وتعتبرها خرافات وأفيونا للشعوب, حتى كان الإلحاد علامة على العلم والثقافة ,هذه المذاهب ظهرت في أوربا لأسباب خاصة بالمجتمع الأوربي, لكنها انتقلت مع الاستدمار الى الوطن الإسلامي , فركب موجتها أدعياء علم واثأروا زوابع شكوك في القلوب والعقول كادت تعصف بالإيمان الإسلامي, لولا أن الله عز وجل قيض لهم رجالا تولوا الدفاع عنه بقوة الفكر وصدق الالتزام , فجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله بالحجة الدامغة والعبارة البليغة , نذكر منهم جمال الدين الأفغاني , محمد عبدو , رشيد رضا , ابن باديس , مالك بن نبي , وحيد الدين خان , المودودي , الشعراوي , محمد الغزالي ,القرضاوي , البوطي , عبد المجيد الزنداني , هارون يحي ........ وغيرهم كثير في السابقين والمتأخرين, منهم من قضى نحبه- رحمه الله- ومنهم من ينتظر - حفظه الله - فكشفوا عوار تلك المذاهب والأفكار , ونزعوا عنها غطاء العلم , وأعادوا لواءه الى الدين , وهاهو هذا القرن يطل علينا وعقيدة الإلحاد بائدة , وحجة الإيمان سائدة , ولم يبق على ما كان إلا أصحاب العقول الجامدة. يقول القرضاوي حفظه الله في كتابه الإيمان والحياة
" إن بعض الذين ينتسبون الى العلم يعيشون بعقلية قرن مضى أو قرنين ولا يتابعون التطور الهائل الذي حدث في ميدان العلم والفكر في هذا القرن (القرن 20) , فهم أولى من يستحق اسم الرجعيين المتخلفين لأنهم سجناء نظريات أثبت العلم بطلانها , فالعلم عاد الى أحضان الدين , وهذا ما يقوله العلماء في هذا العصر لا أشباه المتعلمين " (كتاب الإيمان والحياة)
نعم لقد ولى والحمد لله عصر التشكيك في الدين باسم العلم , وهذا القرن هو قرن العودة الى الدين و باسم العلم الراسخ الذي تجاوز القشور الى التغلغل في أعماق الحقائق , لكن : أي دين ؟
الإسلام هو الدّين الذي يبشّر به العلم في هذا العصر
إن الإسلام وحده - لو ينصفون - هو المعني بهذه البشارة العلمية للأديان , لأنه هو الدين الوحيد الذي يوافق التوجهات العلمية والإنسانية للإنسان المعاصر, ولأن الإلحاد ما قام إلا كرد فعل على جهالات الكنيسة التي حجرت العقل البشري , وقمعت الفكر المتحرر, وأفسدت فطرة الإنسان , فتطلب التخلص من أغلالها خوض معركة مريرة , كانت كلفتها كبيرة , جعلت الإنسان في الغرب يذهب بعيدا في معاداته للأديان, الى دركة الإنكار لوجود الديان , إلا أن الكثير من الذين ألحدوا في أوربا باسم العلم لم ينكروا وجود الخالق سبحانه الذي شعروا بوجوده بفطرتهم السليمة ومن خلال نتائج بحوثهم وتأملاتهم العلمية , إنما أنكروا الإله الثلاثي الذي تصوره الكنيسة , والذي باسمه يقمع من يقول بكروية الأرض الى درجة الحكم بحرقه حيا , والذي ينصب باسمه سماسرة بينه وبين الناس التائبين ليأخذوا منهم الرشاوى من أجل مغفرة ذنوبهم , والذي يدعو الناس أن يتقربوا إليه بالأوساخ والقذارة , والذي باسمه تقام محاكم التفتيش لتعقب العلماء والصلحاء لتعذيبهم أو تصفيتهم بسبب آرائهم العلمية و عقائدهم الدينية.
فهل العودة الى الدين تعني الرجوع الى تلك التعاليم الكنسية المثبتة في كتبها المقدسة , مما يعني عودة الظلامية والهمجية والتخلف ؟ أم أن الكنيسة ستعمل على تحريف تلك الكتب مرة أخرى لتنسجم
إن الإسلام وحده هو الذي يساير الوثبة العلمية المتطورة , والروح الفكرية المتحررة , والطموحات الإنسانية المتحضرة للإنسان المعاصر, انه الدين الوحيد الذي يبني عقيدته على أساس العلم, ويتخذ من البحث العلمي وسيلة لإثبات حقائقه , ويرفرف بالإنسان في معارج الكمال المادي والسمو الروحي الأخلاقي , وهو وحده المؤهل للمحافظة على مكتسبات الحضارة الحديثة في ميادين العلم الكوني والاجتماع والسياسة .
إن العلم الحقيقي يدعو منذ عقود مضت وبإلحاح الى العودة الى الدين الذي أثبتت البحوث العلمية المعمقة والنزيهة أنه الحق , وهو دين الفطرة – الإسلام -
يقول هرشل العالم الفلكي الانجليزي :" كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية , فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو صرح عظمة الله وحده "
ويقول هربرت سبنسر في رسالته التربية :" العلم يناقض الخرافات ولكنه لا يناقض الدين نفسه
يوجد في الكثير من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة , لكن العلم الصحيح الذي تجاوز المعلومات السطحية , ورسب في أعماق الحقائق بريء من هذه الروح , والعلم الطبيعي لا ينافي الدين , والتوجه الى العلم الطبيعي عبادة صامتة واعتراف صامت بنفاسة الأشياء التي نعاينها وندرسها , ثم بقدرة خالقها, فليس ذلك التوجه تسبيحا شفهيا , بل هو تسبيح عملي" (من كتاب الإيمان والحياة للقرضاوي )
وهذه هي الحقيقة ذاتها التي جاء بها القرآن وبالطريقة التي دعا إليها في البرهنة على صحة الدين , إن هدى الإسلام يتلاقى دائما مع الفكرة المستقيمة النيرة , والفطرة السليمة الخيرة , في كل عصر ومصر.
يقول عز وجل:" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفََاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ " (53 فصلت )
ويقول عز من قائل :" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوِاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ الليلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الألبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّناَ مَا خَلَقْتَ هذاَ بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " (آل عمران 191)
ويقول سبحانه :" قُلِ انظُرُوا مَاذاَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ" (يونس 101 )
ويقول جل جلاله :" إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَمَا أنزَلَ اللهُ مِنَ السَّماَءِ مِن رٍّزْقٍ فَأحيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهاَ وَتَصْرِيفِ الرِّياَحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلوهاَ عَلَيْكَ بِالحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤمِنُون َ؟ " ( الجاثية من الآية 3 الى 6 )
ويقول أيضا : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( فاطر 28 )
وهو ما عبر عنه شاعر معاصر حين قال موجها خطابه للملحدين والمثلثين
اللهُ ربِّـي ربُّـكـمْ وَمُـحـمَّدُ
شَـهِـد الوجودُ بصدقِه لِحقائق
حُـجَـجُ  العقيدةِ عنده بمعارف
لا لن يَصُدَّ عن الهُدى إلاَّ العمى
فَدَعُوا  الخُرافَة والهوى وَتَقرَّبوا
الواحدِ  الفَرْدِ الذِي خَلقَ الوَرَى
سُـبـحـانَـه لم يتَّخذْ ابنا ولا
سـبحانه ، سبحانه ، ثم الصّلا
 
 
 
 
 
 
مـبـعـوثُ خالقناَ بلا اسْتئثارِ
فـي الـنَّـفس والآفاقِ والآثارِ
غـزتِ  العقولَ بِفَيضِها الموَّارِ
وسـفـاهـةِ الجُهَّالِ والأشرَارِ
مـن  ربِّـنا ذي الرَّحمة الغَفَّارِ
مُـتَـنَزِّهاً  عنْ شِرْكَةِ الأغْيارِ
زوجـاً  كـما يهذي بنُو الكُفارِ
عـلـى الـنّبي الخاتِم المُختارِ
وقال في نفس القصيدة معاتبا أبناء المسلمين الذين تردوا في غياهب الإلحاد أو التثليث
أوَ  تـنـزلـون لـردَّةٍ وجهالةٍ
فـي عـالمٍ أبدى الخفيَّ بِمُجْهِرٍ
أوَ ما علمتمْ في الورى من زانكمْ
أوَ  مـا نظرتُم حولكمْ ؟ كم آية ٍ
 
 
فـي  عـالم التَّصويرِ بالأقمارِ؟
أدْنَـى الـبـعـيدَ بقوَّةِ المنظارِ
بـالـعقلِ والأسماعِ والأبصارِ؟
في  الأرضِ والأحياءِ والأنهارِ؟
إن الإنسان النزيه الباحث عن الحق في هذا القرن لا يفصله عن الإسلام إلا جهله به , وبمجرد أن يتعرف عليه يعتنقه بشغف , ومما يثبت ذلك إقبال النخبة المثقفة في الغرب (أوربا وأمريكا) والشرق (اليابان ) على الدخول في الإسلام أفواجا , رغم افتقار الدعوة الإسلامية لأجهزة متخصصة تمارس الدعوة الى الإسلام بأسلوب مدروس ومركز, يستعمل الوسائل العصرية, وينتشر في أكبر رقعة من العالم, كما هو الحال عند المسيحيين , فالدعوة الى الإسلام مازالت فردية عفوية غير منظمة , فكيف لو كانت لها هيآت متخصصة متفرغة للعمل الدعوي بالوسائل العصرية اللازمة ؟ إن هذا الإقبال على الإسلام رغم سوء حال المنتسبين إليه هو الذي أفقد سدنة الكنيسة وساسة الاستعلاء في الغرب رشدهم, وجعلهم يقومون بردود أفعال كلها طيش وحمق , كتهجمهم على خير البرية نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام, وكأنهم " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " لما بهرهم أواره , وهذا يبين لنا نقطة ضعفهم الأساسية , فما تمكن الباطل في العالم إلا بسبب غياب الدعوة الجادة المركزة الى الحق (الإسلام) , وكل مسلم قادر مسئول على ذلك أمام الله والتاريخ والإنسانية .
الغرب يفتعل الصدام لعرقلة انتشار الإسلام
بعد أن تلاشى المعسكر الشيوعي وتداعت دولة الإلحاد في أواخر القرن الماضي والى غير رجعة , وأدرك الصليبيون المتصهينون في الغرب أن المعركة مع الإسلام في ميدان الفكر والحوار الحضاري محسومة مسبقا لصالح الإسلام , وأن الميدان الوحيد الذي يملكون فيه زمام المبادرة وفرصة الانتصار والتفوق هو ميدان الصدام المسلح لما لهم من قوة عسكرية وتطور في السلاح , شرعوا في إثارة الزوابع التي تعتم الرؤية , وتشغل الناس عن التفكير في حقيقة الإسلام , وتغيير ميدان المعركة وأسلوب المواجهة من الميدان الفكري والأسلوب الحضاري الإنساني, الى ميدان المواجهة المسلحة , حيث يهمش الفكر أو يلغى تماما , ويهيمن سلطان القوة, وتمارس الهمجية بأبشع أساليبها (كما يحدث في العراق وأفغانستان والصومال وحدث من قبل في البوسنة) , وذلك هو المقصود بالحرب الاستباقية التي ابتكرها المتصهينون في الإدارة الأمريكية , والتي تهدف الى ضرب الإسلام الصحيح قبل أن يشتد عوده , ويعم نوره في العالم , فيستحوذ على العقول والقلوب , ويقيم دولة الحق على الأرض , التي تمكن للعدالة , وترعى الحقوق بين الشعوب , وتحارب مظاهر الظلم العنصري والطبقي , والفساد الاجتماعي والخلقي , وجراثيم التطفل البشري من مصاصي دماء الشعوب , وكل ذلك ضد مصالح العصابات الصهيونية والمتصهينة المعششة في الغرب , وليس ضد مصلحة الإنسان الغربي البسيط المقهور بل هو عين مصلحته, لأنه تحرير له وتكريم وإسعاد
ومن أهداف هذه الحرب أيضا التشويش على الإنسان العادي الساذج في الدول الغربية, بإثارة الأحقاد والضغائن مع المسلمين لكي يعرض تماما عن محاولة فهم الإسلام, وينأى عن اعتناقه كما سبق وان ذكرت (فلو أتيحت للمواطن البسيط في الغرب فرصة التعرف على الإسلام من خلال تعاليمه لاعتنقه مباشرة ), وهذا ما قرأ الصليبيون والصهاينة في الغرب حسابه, فاحتالوا على شعوبهم للحيلولة دون حدوثه , بإثارة الصراع من جديد بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي على طريقة الحروب الصليبية .
والمتوقع من هذه الصدامات المفتعلة المسماة بالحرب الاستباقية أو محاربة الإرهاب والذي لا يقصد به الغرب غير (الإسلام السني الصحيح) أن تتطور الى ممارسات غاية في الوحشية والدموية والمكر كلما وجد صعوبة في تحقيق أهدافه - والتي لن تتحقق أبدا , وهل ينتظر غير ذلك من تحالف بين المكر اليهودي والغل الصليبي ؟
قال عز وجل : " وَدَّ كَثِيرٌ مِن أهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَداَ مِنْ عندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير " ( 109 البقرة)
وقال : " إِنْ يَثقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطوُا إِلَيكُمْ أَيْدِيهُمْ وَأَلْسِنَتهُمْ باِلسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ "(الممتحنة 2)
يريدون إحراز النّصر المعنوي على الإسلام لكن ... هيهات
يدرك الصليبيون من خلال تجاربهم عبر التاريخ في صراعهم مع المسلمين أن الحسم العسكري وحده لا يكسبهم الانتصار على الإسلام , لأنه سرعان ما يجمع فلوله وأشتاته ويصير أقوي مما كان , لذلك راحوا يخططون لحسم المعركة معنويا أيضا , فعملوا على تشويه صورة الاسلام والمسلمين بأساليب مخابراتية بالغة في الخبث والمكر, لكنها مكشوفة مفضوحة عند أولي النهى والبصائر وكأنها حماقات صبيان , ومن تلك الأساليب ما يلي :
أولا : تكوين منظمات إرهابية باسم الجهاد الإسلامي يجنّد بها شبان مسلمون متحمسون وسذج
(شعروا بذلك أم لم يشعروا ، قصدوه ام غرربهم ) يراد بها تحقيق الأهداف التالية :
-1 - إضفاء الصفة الأخلاقية على الحرب الصليبية الصهيونية على الإسلام , أي إظهار تلك الحرب العدوانية بصورة الحرب الدفاعية الوقائية ضد الهمج المتوحشين الإرهابيين كما يحلوا لهم تسمية المسلمين , وتفجيرات أمريكا وأوربا وبعض الدول الافريقية و العربية تدخل ضمن هذا المخطط .
-2 - جعلها غطاء للجرائم الصهيونية الصليبية التي تنسب في النهاية للإسلام وتحسب عليه لتشويهه وبث النفور منه, واستنزاف الإمكانيات البشرية للأمة بالتفجيرات في الأماكن العامة وبالاغتيالات المكثفة, وقد حدث من ذلك الكثير في الجزائر ويحدث ما هو أكثر منه في العراق.
-3- بث الفرقة وإذكاء العداوة والأحقاد بين المسلمين بضرب بعضهم ببعض تحت غطاء تلك التنظيمات وهاهي المخابرات الصهيونية في العراق تفجر الأضرحة الشيعية والمساجد السنية وتنسب ذلك للتنظيمات الجهادية للطرفين من أجل إحداث الوقيعة الدموية بينهما , وقد نجحت في ذلك .
-4- استخدام تلك التنظيمات كأدوات تحقق بها مخططاتها والاقتصاد في إقحام جيوشها في الصراع
للتقليل قدر الإمكان من الخسائر البشرية في صفوفها, لأن الرأي العام في الغرب لا يتحمل كثرة الخسائر البشرية, وهكذا يطيلون عمر الحملة على الإسلام حتى تتحقق أهدافهم منها, وهذا مشاهد في العراق والصومال ولبنان وحتى في فلسطين المغدورة.
-5- شغل الأمة الإسلامية وإرهاقها بصراعات داخلية بواسطة هذه التنظيمات, يؤدي الى خراب العمران والاقتصاد وانتشار الجهل والأمية ومظاهر البؤس والحرمان, وتفشي الجرائم والفواحش, وهذا يعرقل رسالة الإسلام, ويحجبها حتى في البلدان الإسلامية, فضلا عن أن توجه للشعوب والأمم الأخرى . وتصير الشعوب الإسلامية أرضا خصبة للتنصير, الذي يستغل بخسة ومكر المآسي التي يسببها التخطيط الغربي في الوطن الإسلامي ليزرع سمومه .
ثانيا: العمل على تدمير العقيدة والأخلاق والقيم في الشعوب الإسلامية , وتكليف المتغربين المجندين للمشروع الامريكوصهيوني بالإشراف على هذه المهمة القذرة بشتى الوسائل والتي منها:
-1- تكييف المنظومات التربوية في الوطن العربي والإسلامي لما يخدم ذلك المشروع ويبعد الأجيال عن عقيدتها وقيمها الإسلامية المحصنة.
-2- نشر الفساد والرذيلة والتحلل الخلقي بواسطة الإعلام ووسائل الثقافة, وذلك يحقق له أهدافا خطيرة أهمها: القدرة على التحكم في أبناء المسلمين, لأن الشخص الذي لا عقيدة له ولا أخلاق من السهل شراء ذمته والتحكم فيه ليجند في المشروع التغريبي ويدجن في زريبة العولمة , وكذلك تلويث الإسلام بالمنتسبين إليه حتى تزال عنه خاصية التميز الخلقي, وينفر منه من لا يعرفه من خلال تعاليمه , ويحمله فساد المنتسبين إليه زورا وبهتانا , والذين هم في الحقيقة أتباع للغرب في سلوكهم وليسوا أتباعا له.
ثالثا: إثارة النعرات العرقية في شعوب الأمة الإسلامية لإحداث الصراعات التي يتخذها ذريعة للتدخل الاستدماري, وفتح ثغرات ينفذ منها ويجعلها موضع قدم له في الوطن الإسلامي, وإبعاد العرقيات غير العربية عن اللغة العربية , وبالتالي إبعادها عن القرآن والإسلام , وكذا تفتيته إلى كيانات متناحرة ليسهل عليه ابتلاعها دينيا وعسكريا ,والأمثلة واضحة في العراق والسودان .
ومما يؤكد أن الغرب يريد حسم المعركة مع الإسلام لا مع المتمسلمين , ومع الإسلام الصحيح لا مع أي إسلام , هو تركيز ضرباته الحسية والمعنوية على قلب الأمة الإسلامية ,وأعني الأمة العربية , فهاهو يمد أذرعه الأخطبوطية السامة ليحاصرها من كل الجهات : جغرافيا بالقواعد العسكرية , اقتصاديا بنهب ثرواتها, بشريا بإفساد الإنسان العربي خلقيا وفكريا, وذلك بنشر الجهل والرذائل فيه, بسياسة مدروسة ومركزة, والعراق ولبنان شاهدان على ذلك .
وهاهو يوجه طعناته الغادرة بتركيز شديد الى النبع الصافي للإسلام وهو الإسلام السني, لأنه إذا جف النبع جفت السواقي, فهو لا يهتم كثيرا بالمذاهب الإسلامية المنحرفة لأنها تحمل عوامل فنائها في ذاتها, بل يشجعها ويدعمها , وهذا ملاحظ بوضوح في تعامله مع الفرق والمذاهب الإسلامية في العراق .
إن الغرب الآن يستغل ضعف الأمة الإسلامية وتشتتها وسباتها الى أقصى ما يمكن , فهو يسابق الزمن لشل العملاق النائم , وتقطيع أوصاله , وجعله عاجزا عن الحركة حين يستيقظ , لكن ..هيهات.. لعل هذه الضربات الشديدة المركزة هي التي تعيد للأمة الإسلامية رشدها, وتسرع في استيقاظ عملاقنا النائم , بل إن بوادر نهوضه هي التي أفقدت الغرب رشده, فراح يخبط خبط عشواء كالمخبول أو المخمور خوفا وهلعا , رغم أن الإسلام مصدر رحمة للعالمين, فهو وحده المؤهل لتخليص العالم من المآسي والأزمات التي أرداه فيها النمط الحضاري الغربي دينا ودنيا.
الحرب على الإسلام حرب على الله سبحانه , والظفر فيها مستحيل
يعلم أهل الكتاب المتحالفون ضد الإسلام أن الإسلام دين الله كما يعرفون أبناءهم
قال عز وجل : "الذِينَ ءَاتَيناَهُمْ الكِتَابَ يعَرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبنَاءَهُمْ وَإنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (البقرة 146)
ورغم ذلك يعاندون ويتجاهلون أن الله تولى حفظه ونصره , ولولا ذلك لكان الإسلام قد اندثر أو حرف منذ القرون الأولى , كما حدث للأديان السابقة , فأحداث التاريخ والواقع والآيات القرآنية تشهد بحفظ الله له وتؤكده .
قال عز وجل :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْناَ الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحاَفِظُون َ" ( الحجر 9 )
وقال تعالى :" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنياَ وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ , يَوْم َلاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار " ( 51 -52 غافر)
وقال عز وجل :" إِنَّ الذِينَ يُحَادُّونَ اللَه وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الأذَلَّينَ كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَناَ وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " (المجادلة 20-21 )
وقال سبحانه : " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمٌّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ باِلهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ "(8-9 الصف)
فمهما فعلوا أو بذلوا أو احتالوا لن يقدروا أن يمنعوا نور الله عز وجل من أن يسود في الأرض ويظهر على الدين كله , وستكون عاقبتهم الخسارة والحسرة في الدنيا والآخرة , فكما زالت الشيوعية التي سببت المآسي للمسلمين والإسلام هو الإسلام , سيزول التحالف الحالي والاسلام هو الإسلام بإذن الله تعالى , فليذكر الغربيون والمتغربون ذلك والزمن بيننا .
 قال تعالى : " إَنَّ الذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم ْحَسْرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ والذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ " ( الانفال 36)
إن من القوانين الثابتة في هذه الحياة أنها قد تدول الدول, وتصول الملل, لكن العاقبة دائما لدولة الحق وملة التقوى ( والعاقبة للمتقين) فمتى تكونت ملة الحق والتقوى كان التفوق والتمكين لها.
قال تعالى : " وَلَقَدْ كَتبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهاَ عِباَدِيَ الصَّالِحُونَ إنَّ فِي هَذاَ لَبَلاغاً لِقَومٍ عَابِدِينَ "(105-106) الانبياء
وقال سبحانه :" وَمَن يَّتَوَلَّ اللَهَ وَرَسُولَهُ وَالذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللِهِ هُمُ الغَالِبُونَ " (المائدة 56)
يقول أحد الشعراء عن الحملة الغربية الحالية ضد الإسلام (جريدة السفير)
لقد هبُّوا لِمَحْوِ الحقِّ عن قَصْدٍ
فمن  يسعى لحرب الله لا يبقى
سلوا  التَّاريخ عن أمثالهم وَلُّوا
 
وتلكم غلطةُ الطُّغيان في الدَّهرِ
فكم  أفنى بني الطغيان والكفرِ
فما تلقى سوى الآثارَ في الغَمرِ
( أي مغمورة في المياه)
ويقول شاعر آخر متفائلا بالتمكين للإسلام وإعزاز أمته ولو بعد حين
لا تـحزنوا... فالنَّصر آتٍ والهدى
لا  تـحـزنوا... تلكم وعودُ كتابنا
لاتحزنوا... مهما طغى أهل الوغى
لا تحزنوا... مهما عتوا واستهتروا
لا تحزنوا... إن يفخروا أو يبطَروا
لا تـحزنوا... الله يُعلي من مضى
 
 
 
 
يـعـلـو ويُـحـفـظ فـي ألدُّنا
لـيـسـت سـرابـا مـن مُـنى
مــلـك  الـوجـود لـربِّـنـا
فــالـعـزُّ  غـايـة ديـنـنـا
عُـقـبـى  الـورى حـتـما لنا
رغــم الـشَّـدائـد مـؤمـنـا
… يتبع

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع