الأطفال كالورود والرياحين، وكالجواهر، إلا أن كثيراً من الآباء وللأسف حدادون. فهم يسيئون لأطفالهم لجهلهم بعالم الأطفال وحاجاتهم، فالأطفال قلوبهم طاهرة نقية، وفطرتهم سليمة، والذي يجلس معهم ويحاورهم، يتعلم منهم تلك البراءة وذاك النقاء. هم لا يعرفون الكذب ولا النفاق، ولا الحسد ولا البغضاء، ولكنهم يتعلمون كل هذا من مربيهم ومن الكبار. فالطفل تربة خصبة، ما يزرعه الآباء فيها يحصدونه ولو بعد حين، ومن هنا كانت خطورة السنوات الأولى في حياة الطفل.
إن كثيراً من الانفعالات التي يتعرض لها الطفل في أولى سنين حياته، تترك أثراً فيه لا يظهر بوضوح إلا في الكبر، وكل حسب شخصيته وحاجاته، فهناك فروق فردية بين طفل وآخر، ولكن الشيء الذي لا ينبغي أن يختلف عليه اثنان، هو أن كل الأطفال يحتاجون إلى الرفق والحب والحنان، واللطف والرحمة، والملاعبة والمداعبة والأنس. فهم في رقة الورود وعطر الرياحين، وكلهم طاقة وحيوية، ويحتاجون إلى أن يخرجوا هذه الطاقة في اللعب، وهذا حقهم، ومن الظلم حرمانهم منه، فعن طريقه تقوى حواسهم وتتفتح مداركهم. إلا أن هناك من لا يفهم هذه الطبيعة التي عند الأطفال، فيصرخون فيهم ويقسون عليهم، ولو شاءوا لكبلوهم بالحبال حتى لا يتحركوا..!!.
إن معاملة الطفل بهذا الأسلوب وبهذه العصبية ستنعكس على شخصيته وسلوكه، فما هو إلا انعكاس لطريقة تربيته، وهذا ما رأيته على أحد الأطفال، فقد كان عصبي المزاج، وعندما رأيت أمه كيف تعامله، وكيف أنها دائماً في حالة غضب وصراخ، عرفت سبب هذه العصبية التي عند طفلها. فالطفل يحتاج إلى مساحة كي يتحرك فيها ويخرج طاقته، ولو أن الأم عرفت كيف توجه طاقة طفلها، لارتاحت ولأراحت طفلها، فطاقة الطفل لابد لها من أن تخرج. فلو أنها-مثلاً-جعلته يقوم ببعض الأمور البسيطة في المنزل مما لا يلحق الأذى به، على سبيل اللعب، وكذلك على سبيل مساعدتها في بعض الأمور البسيطة التي بإمكانه أن يقوم بها بحسب عمره وإدراكه طبعاً. أما أن تكبت حريته وطاقته فهذا ظلم في حقه، وستجد آثار معاملتها القاسية والمجحفة على سلوكه وتصرفاته.
نقطة أخرى، هي أن ليس كل أمر يحتاج أن تقف عنده الأم مع طفلها، ثم إن الطفل لا يتعلم من مرة واحدة، بل يحتاج إلى تكرار وتكرار، فالتربية تحتاج إلى صبر ونفس طويل، وشيء من العقل والحكمة، والتوفيق من الله.
يقول الأستاذ محمد قطب:((الطفل ليس صفحة بيضاء بغير خطوط.. هناك خطوط باهتة لم تتميز بعد، ولكنها ستتميز لا محالة.. إما على صورتها الموروثة بغير تعديل إذا لم بحدث تغير معين في شأنها، وإما على صورة معدلة إذا حدث تدخل مقصود.
في تلك الصفحة البيضاء ظاهرياً، الباهتة الخطوط في الحقيقة، ترتسم الملامح الأولى للشخصية، ويتوقف الكثير على طريقة التعامل الذي يتعامل به الأبوان مع الطفل.
وكل انفعال يمر في نفس الطفل، وكل تجربة يخوضها، تجربة سرور ورضاء، أو تجربة خوف أو انزعاج أو ألم أو قلق، تحفر مكانها أو تخط خطها في تلك الصفحة، حتى يتكون فيها في النهاية خط بارز واضح نتيجة تراكم التجربة وتراكم الانفعال.
ومن هنا خطورة السنوات الأولى في حياة الطفل.. وإن كانت كما أسلفنا لا تغلق الباب نهائياً أمام فرص التعديل في أي مرحلة من مراحل العمر القادمة)).
اللهم بصرنا بعيوبنا، واغفر لنا تقصيرنا، وعاملنا بفضلك...آمين، والحمد لله رب العالمين.
المراجع
alukah.net
التصانيف
أدب مجتمع