لو كانت الكتابة كل يوم عن الأسعار تجدي في تخفيضها لفعلنا. وانا أجد كل يوم من يطلب أن اكتب عن ارتفاع الأسعار، وتعود زوجتي وهي تشكو أنها اشترت اليوم الصنف الفلاني بكذا، وقد كان بكذا وتريد أن أكتب ذلك، وفي التعليقات على الموقع الإلكتروني للجريدة لاحقني القارئ "جميل" بلا كلل لأكتب عن الآثار الاجتماعية الخطيرة للغلاء.
لا يستطيع الكاتب أن يعود لنفس الموضوع اذا لم يكن هناك جديد الا اذا اختار كل يوم ظاهرة ما يربطها بالأسعار بما في ذلك ظاهرة المواليد اللقطاء على الطرق وفي الحاويات. وعلى كل حال أوافق القارئ العزيز أن آثارا اجتماعية وخيمة ستترتب على الوضع المعيشي المتفاقم. وفي حوارات شفوية حول ردود الفعل على رفع أسعار المحروقات كانت وجهة نظري أننا لن نشهد موجة احتجاجات عنيفة، لكن هذا ليس مدعاة للاطمئنان أن الأمور مرّت بسلام، فالاستسلام للقرارات لن يكون تعبيرا عن "وعي المواطن" بل عن سيادة السلبية والإحباط، ولن يمرّ وقت طويل قبل تفاقم ظواهر التفسخ الاجتماعي والقيمي والتدهور السلوكي والجريمة.
قبل أسبوع كتبنا عن ملامح ركود في الطريق بفعل تراجع الاستهلاك. وبحسب التقديرات فالتضخم سيتضاعف، وتقول أرقام دائرة الاحصاءات أن معدّل أسعار المستهلك ارتفعت 12.48% لشهر شباط هذا العام مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، لكن في التفاصيل هناك ما هو أسوأ لأن المعدّل يجمع كل شيء، فقطاع إنتاج "الحكي" لم ترتفع أسعاره (نعني الاتصالات) مقابل الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية الأساسية مثل منتجات الألبان والبيض (36%) والحبوب (26%) والبقول(24%) والخضار والفواكهة (21%).
وبحسب التقارير الصحافية، فإن حركة الشراء في الاسواق انخفضت بحدّة، وهو ما يمكن أن يلاحظه أي متجول في الأسواق. من جهة أخرى فقد ارتفع النقل بنسبة 19% والارتفاع الأضخم هو طبعا للوقود والانارة (43%). واذا فكرنا في قطاع الانشاءات الذي يقود النمو ويعدنا بمشاريع كبرى فإن ارتفاع الكلف مع الارتفاع الهائل في أسعار الحديد وبقية المواد وعلى رأسها الاسمنت سيؤدي بالضرورة لانخفاض الطلب.
ليس من باب التشاؤم الحديث عن ركود محتمل، ونتوقع أن تدرج الحكومة هذا الاحتمال على جدول أعمالها، ومع الأثر المفهوم للعوامل الخارجية وخصوصا كلفة النفط على الاقتصاد فهناك ما يمكن عمله لتلافي الركود. والمنطقة ما زالت مترعة بمال النفط القابل للاستثمار في النمو لكن يجب حماية القدرة على الاستهلاك. وقد طرحنا مقترحات لهذه الغاية مثل خفض ضريبة المبيعات وتوسيع ضريبة الدخل وتحديد اسعار طيف واسع من السلع. ولنعتبرها أفكارا لاستفزاز الحوار، وقد بات ضروريا عقد ورشات حوار بمشاركة جادّة من الحكومة وانفتاح على مراجعة جوهرية للسياسية الاقتصادية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري