أنعيد التذكير بتسلسل الأحداث: حماس تفوز في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006 وتقوم -كما هو حقّها- بتشكيل حكومة من لون واحد، المجتمع الدولي يقاطع الحكومة ويوقف المساعدات كما توقف اسرائيل تحويل الأموال لها فتصاب الخزينة بالافلاس ويتوقف دفع الرواتب لأشهر ويقف المجتمع الفلسطيني على شفا الانهيار، يتمّ انقاذ الموقف بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع في آذار 2007، لكن النزاع على السلطة الفعلية على الأرض يستمر الى أن تقوم حماس بانقلاب صاعق في غزة، فيردّ الرئيس عبّاس بإقالة حكومة هنيّة وتشكيل حكومة تسيير أعمال تقنية برئاسة سلام فيّاض.
الآن المبادرة اليمنية تنصّ على عودة الحوار وعودة الوضع في غزّة الى ما قبل الانقلاب وتشكيل حكومة وحدة وطنية والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية. أين الخلل في هذه المبادرة؟ هل هي غير متوازنة؟ النقطّة الرئيسية التي كانت تعترض عليها حماس هي عودة الوضع في غزّة الى ما قبل الانقلاب, لكن جوهر القضية كلها هو انهاء الانقسام بين سلطتين في غزّة ورام الله وبدون هذه النقطّة يصبح المقترح تأبيدا للانقسام!
والمبادرة لا تقترح تفرد طرف بالسلطة بعد انهاء الانقسام بل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد لا تنجح طبعا حكومة وحدة وطنية في ضوء التجربة السابقة ولذلك تعيد المبادرة الأمر كلّه الى الشعب الفلسطيني مرّة أخرى. حماس كانت ترى أن عبّاس اذا شاء انتخابات رئاسية فليفعل لكنها لا تريد انتخابات تشريعية، لكن أصل المشكلة هو وجود سلطتين لم تتفقا؛ سلطة الرئاسة وسلطة البرلمان، واذا استمر الخلاف بين السلطتين وكلاهما شرعي ومنتخب، فالمنطقي هو العودة الى الناخبين.
ليس هناك مبرر لرفض حماس للمبادرة وهي شكليا لم تستطع رفضها، فوافقت مبدئيا ثمّ في صنعاء على الحوار باعتبار المبادرة الوطنية مرجعية، وقبل ذلك تذرعت بأنها لن تفاوض وفد منظمة التحرير بل فتح فقط، وهذه غلطة اخرى بحق الفصائل الباقية التي ابدت باستمرار امتعاضها من الاستبعاد بعد أن كانت شريكا كاملا في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني في القاهرة، ثم أن المصلحة الفلسطينية هي مشاركة الجميع في الحوار الوطني بديلا للمقايضة الثنائية على تقاسم السلطة.
حماس تريد المبادرة اليمنية قاعدة للحوار وليس مشروعا للحلّ وعندها تستطيع الاعتراض على كل بند من بنودها وستنتهي بعرض آخر مختلف جوهريا هو ما كانت تريده منذ البداية، حوار على تقاسم السلطة تحت مظلة مشتركة، لفتح سلطة الضفّة ولحماس سلطة غزّة وبينهما حكومة مشتركة! والى متى؟ لا أحد يعلم ولا حماس نفسها، فهي ترى أنها حصلت على قاعدتها المستقلّة في غزّة ولا تريد التنازل عنها ابدا وسوف تقترح حمايتها بهدنة طويلة مع العدو (عشر سنوات مثلا وقابلة للتجديد طبعا) وماذا يحقق الشعب الفلسطيني بهذا المشروع؟
غزّة ليست مطمحا اسرائيليا بالاساس والنتيجة لهذا الوضع المعلق على المدى استمرار نهش الضفّة الغربية بلا توقف، وفي النهاية لن تكون هناك دولة فلسطينية، وسوف يعاد طرح المشاريع القديمة غزّة مرتبطة بمصر وبقايا الضفّة مرتبطة بالاردن. لا مصر ولا الاردن تقبلان ذلك، وهذا التوجه يذهب بالضدّ من مصالحهما ومصالح الشعب الفلسطيني.
هناك تفاصيل كثيرة يجب ان يعالجها الحوار ومنها وضع الأجهزة الأمنية التي تقترح المبادرة توحيدها على اساس مهني. وهذا هو الحوار المفهوم والمطلوب عدم المماطلة أو التردد فذلك لا يخدم القضية الفلسطينية استراتيجياً بأي حال من الأحوال.
المبادرة اليمنية متوازنة ومعقولة وتفتح لحماس افقا وطنيا كاملا على امتداد مساحة الوطن.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري