تكشف أزمة الشركة الكندية المصنعة للجيل الجديد من الهواتف المحمولة (بلاك بري) عن واحدة من سلسلة واسعة منتظرة من أزمات اندماج تطبيقات الإعلام الجديد والمعلوماتية بالاتصالات، وبينما فجرت كل من الامارات العربية ثم الكويت والجزائر، وعلى الطريق الهند ولبنان ودول اخرى الازمة في وجه الكنديين تحت حجج الامن الوطني، كنا منشغلين هنا بحجب المواقع الالكترونية الاخبارية عن الدوائر الحكومية في قرار مفرغ من المضمون والاهداف والمعنى.
ثمة وقائع وحقائق نقدرها بالاعتبارات المهنية وحتى من موقعنا الاكاديمي المتخصص، وأهمها ان الاعلام الجديد في الاردن قد نشأ ونما بشكل مشوه، ونعلم حجم التدخل الرسمي الذي أسهم بشكل أو بآخر وعبر اجيال من الحكومات والنخب في خلق بيئة مشوهة لهذا النمط من الاعلام وسط تنافسية لا تحتكم لادنى معايير الجودة والمهنية في الكثير من الممارسات وليس كلها بالطبع، ما وفر نمطا من الاعلام البديل المشوه احيانا، وعلى قدر ما خدمت المواقع الالكترونية نخبا في السلطة وعلى حوافها ووظفت لخدمة أجنداتها حيث استبسلت تلك المواقع بخوض معاركها من دون قضايا حقيقية. كل ذلك لا يبرر وبأي منطق الخطوة التي ذهبت الى فلترة أجهزة موظفي الدوائر الحكومية من الوصول الى مصادر المعلومات اليومية. وحتى تخرج هذه الخطوة بثوبها الزاهي تبرر بالهدر الإداري، وبالوقت الذي يهدره الموظفون في تتبع الاشاعات الالكترونية، وهي الوصفة التقليدية التي تقود الى الاشتباك مع النتائج من دون البحث عن الاسباب وجذور الاختلالات، بالفعل هناك ظاهرة في العديد من الدوائر الحكومية والجامعات تتمثل في انشغال العاملين في متابعة الانترنت، وهي جزء من ظاهرة عالمية ترتبط بمصدرين الاول ضعف البنية والاداء الإداري للمؤسسات وترهلها في الاصل، فقبل عصر الانترنت والحواسيب كان العاملون يخترعون وسائل لا تخطر على بالنا اليوم في هدر الوقت.
اما المصدر الآخر فيرتبط بالفراغ الاعلامي المهني الذي عجزت عن ملئه وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة والتي دفعت الافراد للبحث عن الإعلام البديل ، وفيما يشير تطور مؤسسات الاعلام الجديد في العالم الى انها ولدت من رحم المؤسسات التقليدية التي وظفت خبراتها وكرست معاييرها في خدمة الإعلام الجديد وهو ما لم يحدث لدينا، يشكل إعلام المواطن المنتشر على شكل المدونات وشبكات الاعلام الاجتماعي فاكهة بمذاق اخر للاعلام والذي يمارس لدينا بخجل.
صحيح ، هناك اتجاه عالمي متنام حتى في أعرق الديمقراطيات في التدخل في حرية تداول المعلومات على الانترنت وعلى منتجات الاعلام الجديد، لكن لهذا التدخل صفتان الاولى التدخل التكنولوجي المرتبط بالسوق وبالامن الوطني وبالتحديد من المصادر الخارجية، والتدخل الايجابي بدخول القطاع العام في سوق منتجات الاعلام الجديد كما فعلت كندا حينما خصصت قبل سنوات مبالغ ضخمة لانتاج مواد اعلامية وثقافية وسياسية تبث وتنشر من خلال وسائل الاعلام الجديد لحماية الثقافة والهوية الكندية.
حجب المواقع الالكترونية الاعلامية وبما فيها موقع وكالة الانباء الحكومية عن الدوائر الحكومية بحجة تطوير الاداء الاداري واستغلال اوقات الموظفين، وفي البال الصراع المحلي على من يسيطر ويوجه المواقع الالكترونية، على قدر ما يثير الضحك بالمقارنة مع الصراعات العالمية المحتدمة على استخدامات هذه التكنولوجيا على قدر ما يثير الفزع والكآبة؛ فهم يجعلون التوت البري المحلي ليس أسود وحسب بل ومذاقه مر هذه المرة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد