دائما نردد مقولة الحاجة إلى تعريف يلتقي من خلاله الجميع على معاييرعليا تمثل الحد الادنى من الاتفاق على المصالح الوطنية، فمفهوم المصلحة الوطنية ما يزال مشوشا ويحوم في منطقة رمادية لدى السواد الأعظم من النخب السياسية والأحزاب والنخب الحكومية أيضا.
ذلك ما يعكسه النقاش الدائر هذه الايام حول جدوى المقاطعة والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعدما أعلنت الكتلة الحزبية الأكثر تنظيما، جبهة العمل الإسلامي، المقاطعة.
كما أن الحكومات لا يحق لها وحدها أن تحتكر تعليم الناس ما هي المصالح الوطنية، ولا يجوز ديمقراطيا أن تفرض برنامجها المعبر عن فهمها لتلك المصالح من دون وجود توافق على الحد المعروف من المضامين التي تمثلها القيم السياسية العامة، والحد المعروف من الإجراءات التي تضمن أن البرنامج المطروح من قبل الحكومة وصل إلى دائرة صنع القرار بشكل ديمقراطي، كذلك في المقابل ما ينطبق على الحكومات ينطبق على القوى السياسية والاجتماعية الأخرى في عدم جواز تلويحها باحتكار امتلاكها وحدها الحقيقة الوطنية من دون شرعية تعكسها إرادة الناس، في هذه الحالة تبدو البرلمانات في كل ديمقراطيات الدنيا هي البيت الأول والاخير وملاذ الجميع لصوغ مفهوم المصالح الوطنية والاتفاق على قيمها الكبرى.
البرلمانات هي قاعة الاختبار والساحة العامة التي تصاغ فيها معايير العمل السياسي ومضامينه، وفيها يتلقى الجميع الدرس الاول في مفهوم المصلحة الوطنية. ورفض المشاركة البرلمانية بكل تفاصيلها الانتخابية يعني الحكم بالإعدام على الحياة السياسية لفئات واسعة من المجتمع، من جهة، وهروب غير موفق لأي قوة سياسية تعلن كل صباح ومساء حرصها على التغيير والإصلاح.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية المركزة خلال السنوات الأخيرة، تثبت أن إصلاح المشاركة السياسية وربطها بالتنمية مصلحة أردنية صرفة وقضية مصيرية لحفظ معادلة الاستقرار التي راهن الأردن عليها على مدى عقود طويلة.
مصادر تهديد الاستقرار على المدى البعيد داخلية بنفس القدر الذي تبدو فيه المصادر الخارجية، والاولى ترتبط بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عملت على مدى هذه السنوات على تهميش أكثر من ثلثي البلاد في المحافظات والعاصمة، وجعلت المجتمعات المحلية تعيش حالة من الحرمان والغربة عن الدولة بعد الاختلالات التي أحدثتها إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع والسوق، التي يجب في ضوئها قراءة حل مجلس النواب السابق حينما عجز عن تكوين كتلة ممثلة للمجتمع ومقنعة له، وعجز عن التفاعل الإيجابي مع متوالية الأزمات المجتمعية وحالة الاحتقان والعنف والتعبيرات السياسية الشاذة التي شهدتها البلاد مؤخراً.
صيغة البحث عن الديمقراطية المريحة مقابل العند السياسي هي اللغة التي تحكم مواقف القوى التي أعلنت مقاطعة الانتخابات مقابل الموقف الحكومي، وهذا بالمناسبة ينسحب على منابر التعبير الأخرى المدنية والإعلامية، هذه الصيغة لا تخدم مسار بناء الدولة الوطنية وليست أداة لتفريغ الأزمات ان لم تكن اداة لتفريخ المزيد منها.
خيار الإصلاح هو خيار المشاركة والتنمية، حيث يكمن العمل الجاد في العمق المجتمعي في التمثيل وفي عدالة التنمية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد