تعود وزارة الخارجية الاسرائيلية وهيئة السياحة ووسائل إعلام اسرائيلية مجددا لاثارة زوبعة مفتعلة بالتذمر حول ما تسميه إجراءات اردنية لإعاقة حركة السياح الاسرائيليين نحو الاردن، والمقصود هنا سلسلة الاجراءات التي تتخذها أي دولة في العالم للحفاظ على أمن مواقعها وعلى أمن السياح على أراضيها، وهي بالمناسبة اجراءات اتخذت في عهد الوزيرة السابقة التي سبق أن فجرت الدمامل حينما وصفت السياحة الاسرائيلية بأنها تشكل عبئا على الاردن لا أكثر.
السلام الاردني الاسرائيلي شبه المجمد منذ سنوات يشهد بين وقت وآخر محاولات للتحرش الاسرائيلي في هذا الملف او ذاك بما يثبت مدى عجزالدولة العبرية عن استعياب مفهوم الدولة الطبيعية في اقليم مزدحم بالكيانات والدول قبل استيعابها لمفهوم التسوية، فمنذ بدء السياحة الاسرائيلية بعد عام 1994 بقي هذا النشاط الاقتصادي يثير متاعب للاردن اكثر من الفوائد، ما زاد من أحمال فاتورة التسوية الناقصة وزاد اعباءها على المجتمع والدولة الاردنية.
الاجراءات الاردنية الاخيرة ليست جديدة وتتم كل يوم عبر الحدود بين الدول، وحتى داخل المؤسسات مع السياح والرعايا ايضا، وهي جزء من القواعد والتقاليد في حركة المسافرين والسياح بين الدول والمجتمعات التي شهدت صراعات او اضطرابات وتلك التي تعاني من فجوات في الفهم على خلفيات عقائدية او دينية او ايديولوجية والتي تقضي بعدم اشهار الرموز الدينية او الايديولوجية او اي ادوات او ملابس قد تثير الحساسية والنزعات الدفينة، وما بالك باكثر صراعات التاريخ الحديث تعقيدا وحساسية، الى جانب ما يثيره سلوك النخبة الاسرائيلية الحاكمة هذه الايام من تطرف وعنجهية تضع الاقليم بأكمله على برميل من البارود لا ندري من اين سيكون الانفجار.
الاردن ليس بحاجة للسياحة الاسرائيلية، وليس بحاجة للمزيد من الاعباء الامنية التي اعاقت حق اجيال من الاردنيين في تحسين نوعية حياتهم وحقهم في التنمية والتحديث وهم ينشدون الامن في اقليم مشتعل، ويمكن ان ندرج عشرات الاسباب التي تعني وقف هذا النشاط بعيدا عن ايديولوجيا التطبيع، بل من منظور سياسي مصلحي لا اكثر.
اولا: السياحة الاسرائيلية تثير متاعب كبيرة مرتبطة بمحاولات عابثة لتزييف تاريخ بعض المواقع الاردنية وهويتها، وهي بذلك ليست سياحة حقيقية، بل نشاط ثقافي صراعي لا اكثر، فمنذ سنوات ازداد الحديث عن سلوك السياح وبعض الجماعات الدينية الاسرائيلية في العبث بالآثار الاردنية في اكثر من موقع ومنها محاولات دس بعض القطع التي تحمل رموزا يهودية في بعض المواقع، ومحاولات تخريب بعض الارضيات والنقوش او تشويهها، ولم يتوقف الامر على شكاوى المواطنين والمجتمعات المحلية والمرشدين السياحيين، بل وصل الى بعض المسؤوليين الاردنيين الذين وصلوا الى ادلة مادية تبرهن على هذا السلوك.
ثانيا: السياحة الاسرائيلية لم تضف اي قيمة تذكر للاقتصاد الاردني، رغم ان سنوات او شهور ربيع السلام الاولى قد اسرفت فيما ستأتي به العلاقات السياحية من فوائد اقتصادية، الذي حدث ان القيمة المضافة الجديدة جنتها اسرائيل بالفعل والاعباء الاقتصادية تحملتها السياحة الاردنية؛ في الوقت الذي سوقت اسرائيل منتجاتها السياحية الوهمية على حساب الاردن وبالتحديد البتراء، اقتصرت السياحة الاسرائيلية على سياحة اليوم الواحد ذات العبء الاقتصادي الكبير حيث يأتي هؤلا السياح يحملون كل ما يحتاجونه، ولا يخلفون للاقتصاد الاردني الا اعباء النظافة خلفهم والضغط على البنى التحتية والخدمات، وحينما اتخذت سلطة اقليم البتراء العام الماضي قرارها الجريء برفع تذكرة دخول سياح اليوم الواحد للبتراء ثارت ثائرة المؤسسات الاسرائيلية وقادت حملة واسعة من التشويه لسمعة الاردن ولا حاجة للتذكير بما كتبته صحيفتهم الشهيرة يدعوت احرنوت حول هذا الموضوع .
ثالثا : السياحة الاسرائيلية تشكل عبئا امنيا على المؤسسات الاردنية تزداد كلفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع ازدياد التطرف الاسرائيلي. هل حان الوقت لمراجعة جريئة لهذا الملف، ومن منظور المصالح والسياسة معا؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد