في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام جسد المجتمع الأردني حالة من الاندماج الاجتماعي والتوحد السياسي خلف هدف واحد في مواجهة العملية الإرهابية التي استهدفت مواقع في العاصمة، انسحبت هذه الحالة في تعبيرات سياسية واجتماعية جسدت حالة مؤقتة أشبه ما تسمى بالوطنية الجديدة، لكن تلك الظاهرة بقيت مؤقتة ولم يبن عليها.
استعادة رمزية هذا اليوم باختياره لإجراء الانتخابات النيابية، تكمن في توحد المجتمع الأردني أكثر من الرد على الاستهداف، بمعنى استنهاض القوة الذاتية في المجتمع نحو إعادة التفكير في بناء الذات والانتصار للحياة الذي لا يتحقق إلا حينما نخلق طاقة لا تفنى ولا تتبدل، تبني قاعدة عريضة من العواطف والمصالح المتشابكة مع فكرة الدولة المعاصرة.
من أجل البناء على الوضوح الاستراتيجي وهو الأساس لبناء هذه الطاقة التي تؤسس لوطنية جديدة، يفترض نظريا ان الأردن يحتاج مراجعة استراتيجية لمواجهة خيارات المستقبل القريب، وهذه المراجعة تحتاج حضور روح الدولة الواثقة من الذات والمستقبل، الوضوح الاستراتيجي في الوحدة الوطنية والعلاقات الأردنية الفلسطينية وفي الدور الأردني في الصراع والتسوية والوضوح في مستقبل علاقة المجتمع بالدولة وجوهر ومضمون المشاركة السياسات وحدودها، وحدود دور المجلس القادم وآليات تكوين نخب الدولة، ووضوح في مسارات الإصلاح الاقتصادي وطرق التعامل مع ملفات الفساد. يحتاج كل ذلك إلى بناء صراحة عميقة في حوارات الدولة مع المجتمع في السياسات والسلوك العام للدولة، أي السلوك الاستراتيجي الذي ينفتح على الداخل؛ على حق البلاد بالانفتاح والإصلاح والتنمية العادلة كما يحرص على بناء كفاءة وطنية في إدارة القضايا المصيرية الإقليمية والدولية.
أثبت المجتمع الأردني على مدى أكثر من أربعة أعوام قدرة نادرة على الاستجابة الإيجابية والتكيف المرن مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي عصفت بجل التكوين الاجتماعي الأردني، صاحب ذلك استرخاء سياسي ورسمي في أداء الكثير من وظائف الدولة. نحن لا نقدم بذلك الشكر للمجتمع الأردني إذا ما ضمنت الدولة نزاهة الانتخابات وشجعت الناس على المشاركة الفاعلة، الشكر الحقيقي للمجتمع الأردني في استعادة الإصلاح وإنقاذه من التشويه الذي لحق به طوال السنوات الماضية وصبغه بالصبغة والشرعية الوطنية.
مرحلة التقاط الأنفاس قد تمنح الأردن فرصة ذهبية لاستعادة إرادة الإصلاح بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هذه الفرصة قد تمتد من ستة أشهر إلى عام ونصف، تبدو ملامحها ماثلة اليوم في حسم الموقف في الكثير من الملفات في الشؤون الداخلية والإقليمية.
الطمأنينة المفرطة مثل الانسحاب تقود حتما إلى الاسترخاء ولا تبتعد كثيرا عن التشاؤم المفرط، المرحلة الراهنة تحتاج المزيد من الحذر وبناء ثقة بالقدرة على الإصلاح عبر الحاجة الملحة لتعديل المسار نحو إصلاح تنموي جاد ، وهذه هي البداية الحقيقية للإصلاح الشامل، فلقد أرهقتنا النخب بسجالاتها التي حصرت الإصلاح السياسي بالانتخابات والأحزاب، وأغفلت حق الناس بتنمية عادلة ومشاركة فعلية وهما جوهر الإصلاح السياسي، وهنا تنمو الوطنية الجديدة وتزدهر حينما تجسدها علاقة جديدة أيضا بين المجتمع والدولة، ولعل إعادة بناء هذه العلاقة من جديد، بعدما تعرضت اليه من تشويه، من أهم الاولويات المنتظرة بعد الانتخابات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد