أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قبل ايام تقريرها العاشر حول الحريات الدينية في العالم، الجديد في تقرير هذا العام التركيز على انتقاد احوال الحريات الدينية في اوروبا، حيث يدق التقرير بجرأة وقوة ناقوس الخطر حول ممارسات تشهدها دول اوروبية مثل فرنسا وسويسرا والمانيا ضد الاقليات الاسلامية، فيما يوضح حجم اتساع خريطة الانتكاسات التي تتعرض لها الحريات الدينية في انحاء متعددة من العالم محددا ثماني دول تثير الاوضاع الدينية فيها القلق وهي بورما والصين وارتيريا وايران وكوريا الشمالية والسعودية والسودان واوزبكستان.
واجه التقرير الاميركي انتقادات متعددة الاتجاهات ومن جهات متعددة خلال السنوات الماضية بعضها مرتبط بسوء فهم الاوضاع الثقافية وعلاقات الاديان في بعض المجتمعات، وبعضها ذهب الى ان المصادر التي يعتمد عليها محررو التقرير في احيان عديدة غير موثوقة، وعادة ما يعتمد التقرير على مصادر محلية تشمل صحافيين وأكاديميين ومنظمات غير حكومية وجماعات مدافعة عن حقوق الانسان وجماعات دينية اضافة الى مصادر الخارجية الاميركية ذاتها.
جل انشغال تقرير هذا العام ارتبط بقضايا ساخنة تدور حول المسلمين والاسلام في العالم، جانبها الاول الازمات المرتبطة بظاهرة الخوف من الاسلام المتدحرجة منذ احداث تفجيرات ايلول، وما تبعها من تعبئة عالمية، ومن ممارسات عنف وارهاب متبادلة جعلت من الاقليات الاسلامية في الغرب على صفيح ساخن من القلق والاستهداف، وهو ما يبرزه التقرير في انتقادات حادة للسلوك الرسمي لبعض الدول الاوروبية مثل فرنسا التي فرضت قوانين تنال الحريات الشخصية في بعدها الديني للافراد تحظر على المسلمات ارتداء النقاب، وسويسرا حيث أقر المشرعون قانونا يحظر على المسلمين بناء مآذن. تأخذ التوترات الدينية والخوف المتزايد من الاسلام في اوروبا ابعادا متنامية مع تأزم الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة سيما عقب الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة التي أرغمت آلاف الشركات على إغلاق أبوابها، بالإضافة إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة.
والجانب الثاني من الظاهرة الدينية العالمية التي يعالجها التقرير ترتبط بسلوك الدول والمجتمعات في بعض اجزاء العالم الاسلامي التي تفرض المزيد من القيود على الحريات الدينية المحلية مثل اوضاع الاقليات غير المسلمة في افغانستان التي ما تزال تواجه الكثير من المضايقات والقيود في بلد يغرق بالعنف والحرب، كما هو الحال في انتقاد احوال الحريات الدينية في ايران والعراق ومصر والسودان.
المهم ان التقرير الاميركي الذي اعتاد خلال سنوات ماضية توجيه انتقادات للاردن ازعجت المجتمع والدولة معا، يبدو هذه المرة اقل حدة في وصف اوضاع الحريات الدينية في الاردن بل يشيد ببعض المواقف. الاوصاف التي قدمها التقرير في السابق وكرر بعضها هذا العام تأتي في اغلبها من فجوة الفهم في تقدير طبيعة العيش المشترك التي أُسس عليها المجتمع الاردني بمختلف مكوناته الاجتماعية والدينية والتي تشكل نموذجا نادرا وسط فوضى التوترات الدينية التي يشهدها الشرق الاوسط والعالم.
لم يسجل التقرير انتهاكات حقيقية وملموسة في ممارسة الحريات الدينية او ممارسة اي دين لأي جماعة دينية او ثقافية في الاردن. اختصرت ملاحظات هذا العام، على التشدد المفروض فيما يتعلق بالتحول من دين الى آخر، وفي انشطة نشر الاديان بين اصحاب اديان اصلية اخرى، ورفض تجديد الاقامة لبعض اتباع ودعاة الكنيسة الانجيلية الاجانب وأوضح التقرير انه لم ترد معلومات عن سجناء أو محتجزين دينيين في البلاد كذلك عن التحول الديني القسري. فيما سجل التقرير ما قدمه على شكل انتقادات حول الاوضاع الدينية للطائفة البهائية والصابئة والتي تعرف عليها المجتمع الاردني من خلال حركة اللاجئين العراقيين حيث لا يوجد اعتراف رسمي بهذه الطوائف الى جانب عدم قبول مجتمعي لها، وفيما يعرض التقرير لبعض المضايقات التي يتعرض لها الشيعة في الاردن، يبدو واضحا حجم المغالطات والتضخيم للوجود الشيعي في الاردن، ويصر التقرير على وجود طائفة شيعية في جنوب الاردن حيث يبدو ان محرري التقرير يعتقدون ان الاردن ما يزال تحت النفوذ الفاطمي!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد