حتّى الساعة، فإنّ الإعلان الذي صدر عن دائرة مراقبة الشركات صنع بلبلة ولم يصنع حلا. فقد أربك المكاتب والشركات التي تتعامل بجدّية مع بورصة الأسهم والعملات، ولم يعالج الظاهرة الجديدة للنصّابين المحتملين من جامعي أموال الناس.
الدائرة تصرفت بحدود ما بين يديها من أنظمة وقوانين، بتحذير المراقب العام للشركات التي تتعامل بالبورصات العالمية بأنّ نشاطها غير قانوني وعليها تصويب أوضاعها خلال شهر، لكن هذا عمليا لم يحل المشكلة المطروحة. فليس هنالك اطار قانوني يتعلق بالتعامل مع سوق العملات والمعادن والأسهم والبورصات العالمية. وبحسب الدائرة فإن جهتي الاختصاص هما البنك المركزي فيما يتعلق بالعملات والمعادن الثمينة (الذهب والفضّة)، وهيئة الأوراق المالية فيما يتعلق بالأسهم والسندات.
ومنذ عام ونيّف كان مطروحا ضرورة وجود مظلّة تشريعية لتنظيم عمل المكاتب والشركات التي تتاجر بفلوس الناس في البورصات العالمية وأسواق العملة، لكن الجهتين المعنيتين لم تقوما بهذا العمل حتّى الآن. وعليه فقد طلب رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب التمهل واعطاء هذه المكاتب والشركات الوقت المناسب لتصويب أوضاعها حتى لا تنهار تحت ضغط سحب المودعين نقودهم أو عجزهم عن التسديد وحدوث خسارات قد تصل الى مئات الملايين.
وبحسب الدائرة فإن تسجيل شركة حتّى لو وضعت من أهدافها المتاجرة في البورصات العالمية اضافة لما يذكر عموما مثل الاستشارات المالية وخدمة رجال الأعمال فهذا لا يعني الترخيص بمزاولة هذه التجارة. هذه الشركات على الأقل معروفة وتعمل في السوق بصورة علنية ومحددة منذ سنين، أمّا الظاهرة الخطيرة فهي أن عددا غير معروف من الأفراد يدّعون التعامل بالبورصات ويأخذون النقود من الناس ويعطونهم ارباحا غير منطقية تغري المزيد من الناس، وهذه الظاهرة توسعت بصورة مخيفة مؤخرا لعلها كانت هي الأساس وراء اعلان مراقب الشركات الذي أربك المكاتب ولم يحلّ هذه المشكلة.
هذه الأيام أصبحت أقابل أكثر فأكثر اناسا يعطون أو يعرّفون عمّن يعطون نقودهم لهؤلاء الأدعياء ولا تزحزح ثقتهم مهما ساجلتهم باستحالة تحقيق ارباح حقيقية. ويقول بعض من يتعامل بهذا إنه استعاد كل رأسماله الذي دفعه، وبالتالي لا يخشى من النصب، وما يزال يحصل على ارباح، ونحن نرجح أن الاستمرار في دفع الأرباح بنسب تراوح بين عشرة وثلاثين بالمائة حتى تسديد كامل المبلغ، يهدف لتعزيز الثقة وإغراء آخرين وبمبالغ أكبر.
وتنتشر الظاهرة في القرى بصورة واسعة وتسحب الناس ودائعها من البنوك وتضعها بين ايدي هؤلاء المحترفين، بل إن البعض يبيعون بيوتا وأملاكا لهذه الغاية، وظاهرة شركات توظيف الأموال حدثت في مصر في الثمانينات وطارت ادخارات الناس بمئات الملايين بعد فرار أصحاب الشأن. فهل تبقى الحكومة عندنا متفرجة على هذا!
الحلّ المؤقت قد يكون، بحسب مصدر في مراقبة الشركات، الزام المكاتب والشركات بوضع تأمين نقدي مناسب لضمان أموال الزبائن، وقد تكون فكرة مناسبة تطبق بانتظار صدور التشريعات والأنظمة الملائمة، لكن ماذا عن الأفراد الذين يجمعون أموال الناس وليس من خلال مكاتب وشركات مرخصّة ومعروفة؟ وهل يوجد أساس قانوني لملاحقتهم وردعهم؟ وهل يكفي اصدار تصريحات توعوية للجمهور!
ما نعرفه أن الظاهرة تتفاقم بصورة لا يمكن تجاهلها ويجب الجلوس اليوم قبل الغدّ لمعالجتها!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري