لم تتغير أولويات الأردنيين وإدراكهم لمصادر التهديد الداخلية والخارجية ولا للمشكلات الأكثر أهمية من المنظور الاقتصادي والاجتماعي، الجديد الذي جاء به استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية حول أولويات المواطنين لا يقدم سوى المزيد من التفسير لعقدة المركب الاجتماعي الاقتصادي السياسي، وما تفرزه من تعقيدات مضافة حينما تترك دون حلول حقيقية يلمسها الناس، وهو الأمر الذي جعل من العنف الاجتماعي يقفز مرة واحدة ليحتل الأولوية الأولى في إدراك الأردنيين لمصادر التهديد الداخلي ضمن القضايا غير الاقتصادية.
الرأي العام الأردني ما يزال يحمل مساحة من التفاؤل في انتظار أداء الحكومة الجديدة، وهو تقليد أردني لا يحتاج إلى تفسير، حيث منح الرأي العام نفس التقييم الذي منحه للحكومة السابقة قبل عام على مستوى العينة الوطنية، فيما تراجعت ثقة قادة الرأي والنخبة التي طالما كانت مجاملة للحكومات في السابق.
بقيت القضايا الاقتصادية هي أهم أولويات المواطنين، كما أفاد أفراد العينتين الوطنية وقادة الرأي, فقد تصدرت مشكلات البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة هذه الأولويات، في حين تصدرت مشكلات الفساد المالي والإداري والمياه والتعليم والخدمات الصحية والعنف المجتمعي القضايا غير الاقتصادية التي يجب على الحكومة معالجتها. أما أفراد عينة قادة الرأي، فقد تصدرت ظاهرة العنف المجتمعي، والقضية الفلسطينية والوطن البديل والمياه، سلم القضايا غير الاقتصادية التي يجب على الحكومة معالجتها.
هناك ثلاث ملاحظات أساسية يبرزها هذا الاستطلاع وتعيدنا إلى مربع المنهجيات العلمية؛ فإذا كانت استطلاعات الرأي المحترفة هي جهد علمي يقوم على المنهجية العلمية الصارمة والتي تحتاج إلى مؤسسات لديها تاريخ من الصدق والموثوقية، فان قراءة الاستطلاع تحتاج أيضا إلى سياق علمي، وهذا ما يعني الحاجة إلى منظور أكثر عمقاً في تناول تحولات علاقة المجتمعات المحلية بالحكومات، وتحديدا في قضايا لا تحتاج أكثر من رصد ومراقبة الشعور العام لكي نحكم على مسألة ما.
الملاحظة الأولى تبدو في تراجع الاستطلاع الحالي عن النتيجة التي قدمها استطلاع المائة يوم للحكومة السابقة، تلك النتيجة التي أوضحت وجود فروق كبيرة في ثقة المواطنين حسب الأقاليم في أداء الحكومة وتحديدا محافظات الجنوب والتي فسرت في حينها بأنها قراءة واقعية لتراكم من التهميش وفشل التنمية المحلية، مقابل صعود الوعي المحلي بهذه الفجوة، على الرغم من أن الشهور القليلة الماضية التي تفصلنا عن الاستطلاع السابق لم تشهد الكثير لكي تتغير قناعات الناس.
المسألة بوضوح تكتشف في الشعور العام قبل استطلاعات الرأي، ما يعني في نمو الوعي والإدراك المجتمعي لحجم الفجوة التنموية التي تعيشها المجتمعات المحلية.
الملاحظة الثانية تتمثل في انتقال أزمة الثقة في الحكومات من الشارع إلى صالونات النخب وقادة الرأي، وهنا نحن بحاجة إلى المزيد من الوقت لكي نختبر هذه الفرضية، وهل تعكس نمطا جديدا من تداول وممارسة السياسة محليا. والملاحظة الثالثة التي تقودنا إليها نتائج الاستطلاع تبدو كيف نجسر بشكل علمي ومهني بين إدراك الناس والنخب لأولويات المشكلات الاقتصادية وربطها بصعود أولوية العنف الاجتماعي، ما يقدم للحكومة قراءة، وإن كانت متأخرة للتداخل في التحولات التي ترصد الانتقال من المطالب إلى الاحتجاجات المحلية مرورا بالتعبيرات السياسية غير المألوفة وصولا إلى العنف؛ ما يدفعنا إلى دعوة الزملاء في مركز الدراسات إلى تطوير أداة لقياس إدراك الرأي العام الأردني للكفاءة العامة تكون مكملة لمؤشرات الثقة، وهو أكثر ما نحتاج اليه وما يجيب عن معظم أسئلتنا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد