لست عمّانيا أصيلا، وليس لدي ذكريات طفولة أو مراهقة، ولا أماكن أحنّ اليها ولا مطاعم أو مقاه من الأيام الخوالي كنت أتردد عليها، ولا يعني لي شيئا أي من أسماء الأحياء أو الشوارع التي كانت عليها عمّان الراقية القديمة. سكنت عمّان مطلع الثمانينات وتابعت التوسع على شكل موجات كل بضع سنوات والانزياح الطبقي غربا وجنوبا من أحياء اللويبدة وجبل عمّان القديمة الى الشميساني ثم عبدون ودابوق وغيرها وأكتشف أن شهورا أو سنوات كانت تمرّ دون أن أذهب لوسط البلد أو محيطه حيث لا يوجد سوى الفوضى والزحام والوافدين. فوسط البلد والسفوح والأحياء المحيطة أصبحت أماكن طاردة ومزعجة لا يرتادها المرء الا مضطرا ولأقصر وقت ممكن. وفي الحقيقة لم تتمكن عمّان أن تصنع لدي أي حسّ خاص بالانتماء.
لقد شهدت عمّان مع توسعها الهائل تحولا اجتماعيا في التسعينات فتكاثرت المقاهي والمطاعم المتناثرة في أماكن متباعدة في غرب عمّان دون أي خصوصية لشارع أو حيّ أو مكان ثم بدأت بعض المحاولات لإكساب بعض الأماكن خصوصية ثقافية مثل تصميم شارع الثقافة في الشميساني، والعملية فشلت فالمكان الذي تزدحم فيه بنوك ومحلات تجارية لم يصبح ثقافيا وترويحيا أبدا. ثم ظهرالاهتمام بتحويل البيوت الراقية القديمة في اللويبدة وجبل عمّان الى مقاه ومطاعم ومراكز فنّية وثقافية، وقبل اسابيع ذهبنا برفقة امين عمّان في جولة على مشروع تطوير شارع الرينبو وكان بالحق شيئا جميلا للغاية ومنذ ذلك التاريخ عدت هناك عدّة مرّات وقد سبق المشروع ويرافقه الآن نشوء محلات كثيرة تعطي المكان خصوصية وتميزا وهي تبدو ناجحة وتغصّ بالرواد؛ فالأمور تتعدّل وهناك عودة طيبة لإحياء الأماكن العريقة بذوق معماري وثقافي رفيع ويمثل هذا التوجه جزءا من مشاريع وخطط امانة العاصمة.
 بين أيدينا الآن أحدث مشروع لأمانة عمّان وهو استملاك وتطوير وسط العاصمة، وعلى الفور يثير الأمر حماستنا فليس معقولا أن يبقى وسط العاصمة التاريخي مكانا منبوذا يقع تصنيفه في اسفل السلم بين مناطق العاصمة، وهذه مفارقة غريبة تنفرد بها عمّان عن كل المدن العريقة حيث يمثل وسط العاصمة أكثر الأماكن رقيا تتواجد فيه ارقى المكاتب والوكالات والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم ويطمح أكثر الناس ثراء لامتلاك شقّة في إحدى بناياته. وقد لا يكون ممكنا عكس التاريخ لكن تعديلا جوهريا يمكن احداثه. ورغم بعض التحديثات المتوالية بقي وسط العاصمة مكانا منبوذا وطاردا، ويبدو أنه لن يتغير من دون مشروع جذري وشامل وجريء من النوع الذي يخطط له الآن.
خشينا أن ما يطلق عليه سوليدير عمّان -على غرار مشروع وسط بيروت- سيبدو امتدادا لقصّة بيوعات الأرض والعقارات، وقد سمعت تعليقات من هذا القبيل ومنها: "الدور على وسط عمّان للبيع"؛  لكن الأمر ليس كذلك، فالأمانة هي التي تستملك لغايات التطوير والتغيير ومن الطبيعي أن يدخل شريكا في المشروع جهةٌ تريد تقديم التمويل والاستثمار في مشروع يجعل وسط العاصمة مكانا يستحق اسمه ومكانته.
مشروع وسط العاصمة سيكون على الأرجح ذروة التحول الذي سيعطي لعمّان روحا وهويّة تعزز احساس سكانها بالانتماء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري