قبل أن تغادر البيت الأبيض تريد الادارة الحالية ربط العراق باتفاقية استراتيجية تديم النفوذ عليه، ولا ندري اذا كان المالكي قد وضع الجانب الأردني في صورة الموقف على هذا الصعيد أو جرى التباحث في هذا الشأن اثناء محادثاته في عمّان.
الاتفاقية ملف مهم وليست شأنا عراقيا خاصّا وايران هي الطرف الثالث الذي يتابع بصورة حثيثة الأمر ولها رأي ودور ولا يجوز استثناء اشقاء العراق العرب من التداول مع الطرف العراقي في قضيّة تتصل بصميم الأمن القومي العربي ومستقبل المنطقة.
الاتفاقية ستكون بديلا عن تكرار تفويض الأمم المتحدة الدوري لقوات التحالف باستمرار وجودها وسلطتها على العراق، والمحادثات حول الاتفاقية تدور بسريّة تامّة لكن التسريبات حول مضمونها تشير الى انها ستكون اقرب لانتداب طويل الأمد تتمتع فيه القواعد العسكرية الأميركية الباقية بحرية واستقلالية لا تطالها السيادة العراقية، ويدور الحديث عن بقاء 50 قاعدة أمريكية وقوات محصّنة ضدّ القانون العراقي ويمكنها القيام بعمليات عسكرية وملاحقة مطلوبين دون استشارة الحكومة العراقية.
من الأفضل للعراق ان لا يعطي بوش المغادر الى غير رجعة هذه الهدية التي يريد بها تتويج عملية احتلال العراق، فهناك ادارة جديدة قادمة ووضع جديد سيتمّ التعامل معه، والانسحاب من العراق سيكون مطروحا من دون حاجة الى هذه الاتفاقية المنبوذة من قوى الشعب العراقي.
الادارة الحالية منبوذة من الشعب الأميركي ولا تستحق هذه الاتفاقية، بل انها منبوذة من العالم الذي ينتظر بفارغ الصبر رحيلها. وتقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة إن تجربة احتلال العراق وضعت حدا لفكرة التدخل وسيكون صعبا بعد هذه التجربة المشينة الحصول على دعم دولي أو شعبي وتسويق التدخل في أي مكان حتى لو بدا ذلك ضروريا من زاوية انسانية. فقد سبق وحدث تدخل في عدّة مناسبات مثل تدخل كلينتون في هاييتي لاعادة الرئيس المنتخب ديمقراطيا أو تدخل حلف الأطلسي في البوسنة لحماية المسلمين من التطهير الديني والعرقي أو التدخل في كوسوفو لتمكين شعبها من تقرير المصير، وحتى في افغانستان فقد ظهر التدخل مبررا لوجود القاعدة التي قامت بهجمات 11 ايلول تحت حماية النظام هناك، لكن في العراق لم يكن التدخل مبررا وقام على الكذب وتجاوز الشرعية الدولية وافرز نتائج كارثية.
هذا التدخل لا يستحق تتويجه باتفاقية تبرره وتوصله الى هدف ونتيجة بل يمكن التفاوض على الانسحاب الأميركي ضمن صيغة مناسبة وتدريجية لا تترك العراق للنفوذ الأيراني أو الحرب الأهلية لكن من دون اي التزامات خاصّة تكبّل البلد وتنتقص من سيادته وتخضعه لجهة أجنبية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري