منذ عام 1957 لم تعد القوات المسلحة الأردنية طرفا مباشرا في المعادلات السياسية المحلية، فالمعارضة السياسية آنذاك هي التي استثمرت في الجيش وليس النظام السياسي المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في تلك الايام، وهذه الحقيقة التي نحتاج أن نتذكرها اليوم، هي التي أنجزت نوعا من العقد الاجتماعي حول دور الجيش وحدود عمله، وبالتالي أصبغت على القوات المسلحة مكانة وهيبة مصدرهما الأساسي تنزيه الجيش عن اللعبة السياسية.
فتوى الحركة الإسلامية الأخيرة حول المشاركة العسكرية في الحرب الدائرة في أفغانستان، وردود فعل الحكومة القوية عليها، تقود إلى الدفع نحو وضع الجيش على طاولة السياسة، وهو الأمر الذي لا يحتاج الى فتوى سياسية جديدة تقول بأن أي سلوك من الحكومة أو المعارضة لتحويل القوات المسلحة إلى موضوع على طاولة النقاش والأخذ والرد يتطلب التوقف والمراجعة، لأنه بكل بساطة يستنزف من رصيد وصورة هذه المؤسسة التي رسخت نموذجا فذا للاحتراف العسكري والمهنية بعيدا عن السياسة أو توظيف القوة .
المسألة تتجاوز الكلام الساذج الذي طالما رددته النخب والحكومات على مدى أكثر من عشرين عاما حول هيبة المؤسسات العامة، حيث كنا نلاحظ عمليا كيف أنه كلما ازداد الصراخ بهذا الخطاب ازدادت خسائر تلك المؤسسات معنويا وماديا، وأصبحت مضغة في الأفواه. نعلم بأن مراحل التحول الاجتماعي والسياسي المستندة إلى تحولات اقتصادية، تهز المؤسسات التقليدية التي تحتاج إلى مراجعة ادوارها، ولكن هذا المسار دفعنا ثمنه في الأردن، ولم يصل إلى مستوى الدخول على خط المؤسسات المرتبطة برمزية وجود الدولة وقيمها العليا.
في الأردن ينتشر شعور عام بأن ثمة مسارا تمشي فيه البلاد، يقصد هز ثقة الناس بكل شيء، يقصد إضعاف اليقين الاجتماعي والسياسي بالمنطلقات والأسس والثوابت، ويقصد زيادة المساحات الرخوة في علاقات المجتمع بالدولة وعلاقات المجتمع ببعضه بعضا. قد يكون هذا الشعور خادعا، وأن الحراك الاجتماعي السياسي المحتدم مؤشر صحة وعافية على الطاقة الإيجابية نحو التغيير، ولكن على كل الوجوه حينما يصل هذا الحراك إلى ضرب القناعات العميقة يضاف هذا الأمر الى مصادر القلق الأردني التي تأخذ مناحي جديدة هذه المرة، مع ازدياد شعور النخبة السياسية بحدة ردود فعل القواعد الاجتماعية من جهة، وحذرها حيال هذه الحالة من جهة أخرى، مقابل ازدياد شعور النخبة ذاتها بأن الظروف الاقليمية والدولية تدفع بالأردن لكي يكون وحيدا في اجواء تصفية الصراعات التاريخية.
خلال العام الأخير برزت حركة المتقاعدين العسكريين على خط العمل السياسي مسكونة بمخاوف وهواجس عدة، بعضها يرتقي إلى مستوى إدراك مصادر الخطر، ولكن بخطاب نزق ومنفعل، ما دفع إلى ربط غير مباشر بين العمل العسكري والعمل السياسي.
يحتاج قرار إرسال قوات عسكرية في مهمات خارج حدود البلاد إلى نقاش وطني وبرلماني، ولكن على أن لا يصل الأمر إلى الاستثمار في مكانة القوات المسلحة دورها في الصراعات السياسية. وهذه نقطة نظام كبيرة تحتاج أن تراها بوضوح الحكومات والمعارضة معا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد