يبدو سيطرة ملف الاصلاح السياسي بعناوينه التقليدية واضحا على النقاش العام حول اجندات وملفات الحكومة المقبلة، بينما ما يزال الحديث حول ملف الإصلاح التنموي وتحديدا ملف التنمية المحلية في المحافظات خجولا ومربكا، فيما لا نحتاج الى فتوى شرعية من تلك الجهة أوغيرها لإثبات أن لا إصلاح سياسيا يستقيم من دون ردم الفجوة التنموية والبدء بمسار جاد لتجسيد عدالة التنمية، ما يستدعي دعوة الرئيس المكلف للانتباه لمدى الحاجة لاستحداث وزارة مستقلة لهذا الملف تحمل اسم وزارة التنمية المحلية أو وزارة تنمية المحافظات.
أصبح موضوع تنمية المحافظات القصة الكبرى الأكثر إحراجا للحكومات المتتالية منذ أكثر من عقد؛ باختصار لأن الإنجازات بطيئة ولا تكاد تذكر وأصبحت القصة حبلا من مسد، ولا يعمل الزمن فيها سوى على زيادة حجم الهوة والفجوة يوما بعد يوم،  واليوم  لن نجانب الحقيقة إذا قلنا إن أحد أهم المعايير لنجاح الحكومة المقبلة هو حجم قدرتها على الإنجاز في هذا الملف الوطني أو الاقتراب الحقيقي منه.
تحتاج المحافظات الأردنية إلى إسعاف فوري، وجهد جماعي تراكمي يحول دون استمرار واستفحال أخطاء واختلالات واسعة قادت إلى الفجوة التنموية العميقة التي تعيشها البلاد بين المركز عمان وبقية الأطراف.
  من المفارقات الكبيرة في ملف تنمية المحافظات علاوة على الحاجة الماسة إلى فكر تنموي جاد في هذا الشأن تحديدا، نجد غياب الرؤية المشتركة الواضحة لأداء عشرات المؤسسات والجهات التي تدعي أنها تعمل في تنمية المحافظات في مختلف الميادين، حيث نجد تناقضا أحيانا في الأهداف واختلافا في وسائل العمل وآلياته، وتناقضا حتى في المعلومات والأرقام، وأحيانا أخرى تكرارا في العمل يصل حد أن تضرب رأسك بالحائط غيظا، وهذا الواقع يقدم أحد مفاتيح فهم اختلالات التنمية المحلية وعدم وصولها للأولويات الأساسية وعدم انعكاسها في حاجات الناس  وفي نوعية الحياة، بمعنى غياب الإطار المؤسسي الناظم لجهود التنمية، وهذا لا يعني الدعوة إلى المزيد من المركزية وتركيز خيارات التنمية المحلية في جهة واحدة، بل ضرورة وجود جهة تنظم هذه الجهود وتعد مرجعية تنسيقية تضمن التراكم والتحول النوعي في التنمية، وهي أبسط مقومات التنمية وأساسها في هذه الحالة.
كان من المفترض أن تنتبه الحكومات الأردنية منذ زمن بعيد إلى أهمية وجود وزارة تُعنى بشؤون تنمية المحافظات، تكون بمثابة الجهة الناظمة والمرجعية الفنية وتسد ثغرة واسعة في أعمال الوزارات والمؤسسات الأخرى؛ ففي كل بلاد الدنيا تلجأ الحكومات إلى إنشاء وزارات ذات مهمات خاصة تتطلبها حاجات اجتماعية أو اقتصادية وحتى سياسية وأحيانا وزارات طوارئ لأقاليم محددة حينما يصل إدراك صانع القرار بوجود اختلالات أو مصالح تحتاج إلى أطر مؤسسية ذات سمة مؤقتة أو متوسطة المدى. وفي هذا المجال يمكن أن نربط بين التنمية المحلية وشؤون اللامركزية المنوي إطلاقها.
لنتصور حجم وعدد المؤسسات التي تقول بأنها تعمل في ملف تنمية المحافظات؛ من وزارة التخطيط وبرامجها المتعددة إلى وزارة الداخلية والدور التنموي للمحافظين الذي قيل عنه الكثير بعد أن استحدثت دوائر خاصة بالتنمية في المحافظات من دون جدوى تذكر، مرورا بالوزارات المعنية بالبنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية، الى التنمية الاجتماعية، ولا فرق هنا بين التنمية والرعاية الاجتماعية لديهم، وصولا إلى وزارة البلديات التي أخذت مؤخرا تغزل على القصة ذاتها، إلى جانب العديد من المؤسسات الأخرى المستقلة وشبه الحكومية. والسمة المشتركة بينها في أغلب الأحيان أن كلا منها لا يدري ما يفعل الآخرون.
السياسات التنموية اليوم بحاجة إلى مراجعة استراتيجية حقيقية، وتحتاج إلى أطر مؤسسية ناظمة وفكر ودماء وطنية جديدة، تنتقل من الفكر اليومي إلى إحداث تحولات عميقة، ولو تطلب هذا بعض المعاناة والآلام، لأن ذلك يعني ببساطة الانحياز إلى مستقبل الأردن وضمانه، بدلاً من التغزل بالأجيال المقبلة من دون أن نفعل لها شيئا.

 

بقلم: د.باسم الطويسي​​​​​


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد