أخيرا تحركت الحكومة وسوف تصدر قانونا مؤقتا لمعالجة قضية جامعي أموال الناس بادّعاء استثمارها في البورصات العالمية وتجارة العملة.
شاءت الصدفة أن يكون مقالي أمس عن نفس الموضوع ولم أكن أعلم انه مدرج في نفس اليوم على جدول اعمال مجلس الوزراء وقد ختمت المقال مطالبا الحكومة بالتحرك ولو باصدار قانون مؤقت (ما دمنا في عطلة برلمانية) لكن المقال لم ينزل لالتباس فنّي في قسم المقالات.
نحن نحيي الحكومة على هذا القرار فأن يأتي متأخرا خير من أن لا يأتي ابدا، ونأمل ان يرى القانون المؤقت النور على جناح السرعة. لكني طرحت ايضا فكرة انشاء ما يطلق عليه في دول أخرى "شرطة مالية". وهي تتابع كل المهمات المتصلة بالمال من التهرب الضريبي الى غسل الأموال الى المتاجرة غير القانونية بها، ويمكن لشرطة الجمارك أن تكون جزءا منها.
كنّا قد كتبنا وكتب كثيرون محذرين من التورط في هذا الاستثمار الوهمي، وكما قال احد الزملاء فلو كان الاستثمار في البورصة العالمية والعملات يحقق مردودا شهريا بهذه النسب لكانت البنوك ذهبت بمئات ملايينها هناك بدل اقراضها بفوائد تقل عن 1% شهريا، وماذا عن خبراء واساطين الأسواق المالية الذين يكابدون في تجارة هامش ربحها سنتات على السهم، أينهم من هذا الاستثمار الفذّ الذي يحقق عوائد شهرية تراوح بين 10% الى 25% شهريا ويصل الى مضاعفة المبلغ خلال ستة أشهر !!
الطمع الساذج يبدو أقوى من كل تفكير عقلاني، واذا كان البعض يحصل فعلا على هذا المردود فهم طعم لجذب آخرين يتكاثرون بسرعة مذهلة ولا يأخذون الفوائد بل يضيفونها على ايداعاتهم لجني المزيد من الارباح. وقبل ايام صادفت قريبا لي قال انه يستطيع سحب فلوسه في اي وقت فنصحته أن يفعل ذلك فورا، فقال دعني اتركها بضعة اشهر اخرى لأصل الى ضعفي المبلغ!! وقرأت في جريدة "صوت المدينة" التي تحولت من اعلانية الى اعلامية شاملة يديرها الزميل عمر عبنده تحقيقا مثيرا من قرى اربد عن الظاهرة وابطالها شباب في العشرينات تحولوا بقدرة قادر الى مستثمرين و مليونيرية يضع الوف المواطنين بين ايديهم تحويشة العمر أو ثمن ارض باعوها أو منزل أو سيارة طمعا في هذا الربح السريع، وحسب التحقيق فان العقد الذي يتمّ توقيعه لدى المحامي لا يتضمن اي ضمانات للربح بل يمكن الخسارة ايضا، وفي حالات طلب المودع سحب أمواله يتمّ خصم كامل الربح المفترض من المبلغ، و لو لجأت الأغلبية لسحب أموالها لاكتشفنا استحالة تسديدها فالأرباح تأتي حتما من القادمين الجدد وليس من ارباح متاجرة بهذه النسب المستحيلة. ويغطي تحقيق لاحق حفل اطلاق إحدى الشركات الجديدة بحضور ضخم من الفعاليات في اربد تخلله اطلاق العاب نارية وتوزيع منشورات تروج للمشاركة في هذا الاستثمار ويتمّ استخدام لغة اقتصادية برّاقة تحيط بنجومية هؤلاء الرياديين في الاستثمار وبعضهم اصدر تصريحات تحذر من التضييق على هذه الشركات المتكاثرة أو اغلاقها لكنهم وافقوا على ضرورة تنظيم القطاع تشريعيا ذرّا للرماد في العيون.
ومع ذلك فان وجود أموال الناس بين ايدي هؤلاء يستدعي حذرا في المعالجة حتّى لا تتضاعف الخسارة. واذا افترضنا ان بعضهم يتاجر فعلا في البورصات العالمية فنريد ان يكون هناك حساب تحت الرقابة نرى من خلاله حقيقة حركة المال بدقة من ايداع وبيع وشراء وأرباح. واذ بدا أن ذلك حقيقي سنطلب من البنك المركزي التوجه فورا لهذا الاستثمار فهو سيحلّ مديونية المملكة خلال عام واحد!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري