بقدر ما زرعت الثورة المصرية الأمل، وفتحت الأبواب لعملية تاريخية من التغيير مفتوحة على آفاق واسعة من النهوض ليس في مصر وحدها بل وفي المنطقة العربية بأكملها، بقدر ما تثير تحولات المشهد الليبي كآبة وتغلق مساحات الأمل، وتعيد بقوة الصراع السياسي والاجتماعي إلى مربعه الأول. يبدو أن التاريخ لا يكرر نفسه نسخة طبق الأصل، والزكام عند الجيران أحيانا لن يقوى على أكثر من الكشف عن حجم استفحال الأمراض المزمنة والمستعصية.
في الوقت الذي جاءت فيه الثورة المصرية بتلقائية تاريخية، عبّرت عن نضوج الشروط التاريخية للتغيير، واستطاعت عبقرية الناس بناء نموذجهم الخاص بهم، وقدموا تصورهم للتغيير وأفرزوا بنية تنظيمية، بقدر ما تحمل من تلقائية لديها قدرة على الاستمرار والتصعيد وتقديم البدائل، نجد أن الحالة الليبية التي نضجت فيها شروط التغيير منذ زمن ما تزال عاجزة عن بناء نموذجها الخاص في التغيير. فالوضع الراهن على الأرض يؤكد حجم التناقض بين شروط التغيير الناضجة وبين استعداد القوى الاجتماعية والسياسية، بما فيها المعارضة المنظمة التي يبدو أنها غير ناضجة بما فيه الكفاية لاستقبال اللحظة التاريخية للتغيير والتعامل معها.
ينسحب الأمر على تعامل الخارج مع الداخل. فقد لاحظ العالم كيف تعاملت القوى الدولية بحذر، وأخذت مسافة واضحة وحذرة مما يحدث في مصر على مدى أربعة أسابيع، لأن حراك الثورة وقوى التغيير كان أسرع من حركة الجميع ولم يترك ممرات يتسلل منها الآخرون. في المقابل، يبدو أن حركة القوى الدولية في صلب المشهد الليبي، بل إنها مطلوبة من بعض الأطراف.
صحيح أن الثورة الليبية تصنف في إطار الثورات التقليدية التي تتخذ من العنف وسيلة للتغيير، وبقدر ما يتحمل النظام الليبي المسؤولية عن دفعه بالأحداث نحو العنف، فإنه من الواضح أن المجتمع الليبي ليس مستعدا لهذه الطريق بما فيه الكفاية؛ ما سيفتح المجال خلال الأيام القادمة لظهور تناقضات جديدة بين الثوار والقواعد الاجتماعية في بعض المناطق، ما لم يحدث تدخل دولي يعمل على تحولات درامية غير متوقعة. وهنا سنلاحظ أنه بقدر ما ينتظر البعض تدخلا دوليا ربما يأتي تحت غطاء الأمم المتحدة يصب في المحصلة لمصلحة الثورة، فإن الفرص مفتوحة أيضا على تواطؤ دولي يخدم نظام الحكم.
ما يجب أن نعترف به بوضوح، أن لا إعلام حقيقيا يأتي إلينا بالأخبار من ليبيا؛ ثمة صراع أجندات دعائية تخوض حروبا طاحنة على شاشات الفضائيات تُشتّم منها رائحة الثأر تارة ورائحة أموال النفط تارة أخرى، فيما تغيب أدوار صحافة المواطن والإعلام الجديد.
من الواضح أن أياما طويلة تنتظر الليبيين، وأن المشهد يذهب نحو المزيد من التعقيد، فالأيام المقبلة بالفعل صعبة وقاسية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد